باسيل يطلق “معركته الانتخابية”.. جعجع قبل الحريري!

21 يونيو 2021
باسيل يطلق “معركته الانتخابية”.. جعجع قبل الحريري!

يصلح المؤتمر الصحافي الأخير لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل ليكون “خطابًا انتخابيًا”، أكثر بكثير ممّا يصلح لمن يبحث عن “حلّ حكوميّ”، أو يريد للوساطات والمبادرات أن تحقّق الهدف المنشود منها، وتفتح “ثغرة” في الجدار “المسدود”، وتحرّك بالنتيجة المياه الراكدة.

تحدّث باسيل عن “معركة وجوديّة”، واستعاد خطاب حقوق وصلاحيّات المسيحيّين، رافضًا بدعة “المثالثة” التي أوحى بأنّ من “لا يعجبهم” استعادة الدور المسيحي منذ 2005، يريدون تكريسها. خفّض من حجم “الرهانات” على وساطة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد أن “حجّمها”، باعتبار “جهدًا مشكورًا لا مبادرة”.ومع أنّ “رسائل” باسيل لم توفّر برّي، الذي اعتبره “منحازًا”، ولا الحريري الذي كرّر هجومه المُعتاد عليه، إلا أنّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع حصل على امتياز “الأسبقية”، فكان نصيبه من الانتقادات بمثابة “حصّة الأسد”، ما رسم الكثير من علامات الاستفهام، باعتبار أنّ جعجع حيّد نفسه أصلاً من المعادلة الحكوميّة، وجلس بعيدًا “يتفرّج”.

الغاية تبرّر الوسيلة!لم يُرِد باسيل قطع “شعرة معاوية” مع حليفه، “حزب الله”، وفق ما ظهر في مؤتمره الأخير، فبدل أن يكمّل ما بدأه نواب وقياديو “التيار” من توجيه انتقادات صريحة له، ومطالبته بتحديد “تموضعه” الصريح، استنجد به، ونصّبه “حَكَمًا”، مرتضيًا بما يقبل الأخير به لنفسه، في رسالةٍ قد تنطوي على محاولة “إحراج”، لكنّها تبقى “ودية” وأكثر.وعلى النقيض، تعامل باسيل مع جعجع، منتقدًا ما صوّره “تخاذلاً” في الدفاع عن حقوق المسيحيين، “تخاذل” سرعان ما رفعه رئيس “التيار” إلى مصاف “الجريمة”، مع كلّ ما يندرج في خانتها من “تخوين”، واستعادة للزمن “الإسرائيليّ”، وما نجم عنه، في توصيفٍ استدعى “حرب بيانات” متبادلة بين “الوطني الحر” و”القوات”، ربما كما كان باسيل يرغب بالتحديد، ونجح في جرّ “الحكيم” إليه.يقول العارفون إنّ غاية باسيل من “افتعال” المعركة مع جعجع تكمن في “التحضير” للانتخابات المقبلة، التي يبدو أنّ رئيس “التيار” قرّر افتتاح موسمها باكرًا، تحسّبًا للآتي ربما، ولو أنّ سيناريو “الانتخابات” لا يزال وفق “المقاييس العونية” بعيدًا، إلا أنّه يبقى واردًا في أيّ لحظة، في ظلّ المراوحة المستمرّة، علمًا أنّ هناك انتخابات فرعيّة متوجبّة على “العهد القوي” منذ أشهر، ولا تزال تنتظر من يتذكّر وجوب احترام الدستور.حسابات انتخابيّةبهذا المعنى، تفوق “المعركة” مع جعجع، من حيث الأهمّية، كلّ ما عداها من “معارك” مع الحريري وبري و”حزب الله” مجتمعين، ومعهم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، رغم استمرار أجواء “التسوية” معه، لأنّها بكلّ بساطة تشكّل “جوهر” الاستقطاب على الساحة المسيحيّة، وهو الذي يمثّل “عدّة الشغل” الانتخابيّة.ولعلّ التدقيق في مضمون المؤتمر الصحافي لباسيل يعزّز هذا المنحى، فجلّ التركيز فيه كان على الخطاب الطائفيّ دون منازل، من الحديث عن “مثالثة” مرفوضة، وبِدَعٍ لا أساس لها، حتى أنّ الهجوم على بري والحريري، في الحيّز “الضيّق الذي مُنِح له، جاء على أساس عدم استساغة البعض فكرة “استعادة الدور المسيحي” منذ العام 2005، وهو ما يخدم أيضًا غاية “الاستقطاب” مسيحيًا ولا شيء غير ذلك.إذا كان الخطاب الطائفيّ أثبت جدواه، ولا يزال، بلعبه على “الوتر الضعيف” للكثيرين، وقدرته النوعيّة على “إثارة النعرات”، فإنّ كثيرين يعتقدون أنّه يفقد قيمته، في الظروف الحاليّة، وفي ظلّ “الانهيار الشامل” الذي تشهده البلاد، والذي لا يوفّر أحدًا، فالكلّ سيان في الأزمات المتفاقمة، وما يتحمّل “العهد القوي” مسؤوليّته في تعميق “الفوضى” لن تعوّضه حقوق لا تعوّض غياب الكرامة والعزّة، إذا توافرت أصلاً، ولم تكن وهميّة على طريقة “البروباغندا”.بالمعنى السياسيّ، لم يقدّم خطاب باسيل أيّ جديد، بل هو ربما بدّد الآمال بإمكان إعادة “إحياء” مبادرة برّي، ولو أتقن مرّة أخرى لعبة “المرونة” التي لم تعد تنطلي على أحد. لكن، بالمعنى العمليّ والتنفيذيّ، قد تكون الكلمة “قالت الكثير”، فهي لم تدشّن موسم الانتخابات فحسب، بل أعادت رسم الأولويات لمرحلةٍ طويلة قادمة، قد لا تخلو من الشحن والاستقطاب، وما ينطوي عليه من خطورة فائقة!