من بين الكلام الخطير الذي أدلى به رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يوم الأحد الفائت تشديده على أن “جوهر الأزمة الوجود والدور والشراكة في دولة تقوم على الإصلاح، وحتى الطائف الذي ارتضيناه ونطالب بتنفيذه وتطويره، وقدمنا مشروعا متكاملا بهذا الخصوص، صار المتمسكون به هم من يسيء اليه، بسوء تطبيقه وعدم احترام نصوصه ورفض تطويره، وبسببهم صار الطائف بخطر”.
هذا الكلام لم يمرّ مرور الكرام، وإن كان تركيز التعليقات صبّ في إتجاه آخر، حيث إعتبر كثيرون أن باسيل أراد من خلال نعي إتفاق الطائف ورمي كرة تعطيله إلى ملاعب الآخرين التذكير بأن المؤتمر التأسيسي لا يزال خيارًا مفتوحًا على مصراعيه لدى البعض، مع ما يخفيه هذا الطرح من فتح الشهية على الإنقلاب على إتفاق الطائف وما نتج عنه من وقف لآلة الحرب ووقف المدفع وتجديد اللبنانيين إيمانهم بالعيش المشترك كخيار إرتضوه بملء إرادتهم، وهذا ما عبّر عنه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في بيانه الأخير، كخلاصة وطنية ووجدانية فختم بيانه بتأكيد تمسكّه بصيغة العيش المشترك وقال “لبنان الوطن والعيش المشترك هو وطننا النهائي، وهو أمانة في أعناقنا جميعا. انه باق والفاسدون الى زوال”.
وردًّا على الكلام الكثير الذي بدأ يقلق الكثيرين والداعي إلى ضرورة إعتماد الفيديرالية كخيار مطروح في بعض الأوساط جاء كلام الرئيس نجيب ميقاتي بالأمس ليضع الأمور في نصابها الصحيح، وفي إطار تأكيد المؤكد لجهة ضرورة الحفاظ على إتفاق الطائف وتطبيق ما جاء فيه من دون تحريف أو إجتهادات خاطئة، وقال “لعل اكثر ما يثير السخط والاستغراب هو الكلام الذي نسمعه هذه الايام الذي يؤكد أن البعض لم يتعظ من التجارب المريرة التي مر بها لبنان ومن الانقسامات التي شهدها الوطن في اكثر من حقبة من بينها حقبة العام 1988. والمؤسف اكثر ان هذا البعض يتجاهل أن اتفاق الطائف لم يحصل الا نتيجة رهاناته الخاطئة التي دمّرت الوطن وهجّرت أبناءه واستنزفت الوطن كله ولا تزال.
وأضاف “لا يزال اتفاق الطائف هو الاطار الجامع الذي يوّحد جميع اللبنانيين، وهدفه بناء الدولة وهو يشكل الاطار الانسب لعمل المؤسسات الدستورية والانطلاق من الطائفية الى اللاطائفية، ومن اللادولة الى الدولة، ولكن التطبيق حتى الآن كان مشوها وعكس الروحية التي وضع فيها والمطلوب استكمال تنفيذ الاتفاق كاملا قبل البحث في امكان تعديله او تصويب بعض المسائل. ومن هذا المنطلق ، وفي ظل الحديث عن العودة الى طاولة الحوار لمعالجة الازمة الراهنة فاننا نعتبر انه لا جدوى من التحاور قبل التعهّد العلني من قبل المعنيين باستكمال تطبيق اتفاق الطائف، وعدم فتح مواضيع جدلية لا طائل منها وتقودنا الى سجالات طائفية عقيمة نحن في غنى عنها، في ظل التسابق الحاصل بين الانهيار الكامل وامكان معالجة ما امكن من المواضيع الملحة من خلال الاسراع في تشكيل حكومة تطلق ورشة المعالجات”.
هذا الموقف الوطني للرئيس ميقاتي جاء في وقت يبدو فيه أن البعض قد أضاع بوصلته بعدما ثبت له أن لا مكان اساسيا له في التوازنات الوطنية، وهو لذلك بدأ التفتيش عن مخارج أخرى تضمن له حيثية طائفية معينة خارج الأسس التي قام عليها الوطن، والتي من دونها لا يصبح الوطن وطنًا كما أراده المؤسسون، وهو الوطن الذي تغنّى به البابا القديس يوحنا بولس الثاني حين تحدّث عن دور لبنان – الرسالة، وهو الوطن الذي لا يشبه سائر الأوطان بتعدديته وتنوعه وتفاعله مع محيطه، قبل أن يأخذه البعض الآخر إلى الأمكنة التي لا تشبه طبيعة اللبنانيين وإنفتاحهم على الخارج، مع حفاظهم على خصوصياتهم وتميّزهم.
فهل إتفاق الطائف في خطر، كما بشرّر بذلك باسيل أم أن حراس الهيكل سيكونون في المرصاد لأي محاولة إنقلابية؟