فاقعة أضحت مسرحية البطاقة التمويليّة، كلامهم عن عدم رفع الدعم قبل إقرار البطاقة، تكذّبه يوميًّا أسعار السلع وارتفاعها الدراماتيكي، لعل بلوغ سعر كيلو البن عتبة الـ 100 ألف ليرة، والتلويح برفع الدعم عن المحروقات، أبرز دليل. واضحٌ أنّ قرار رفع الدعم دخل حيّز التنفيذ، بالمقابل تُركت العائلات المعوّزة تتدبّر أمرها، من دون أيّ شبكة أمان تقيها شبح الجوع، والمرض كذلك بعدما باتت مكشوفة صحيًّا.
الحكومة المستقيلة من مهام تصريف الأعمال ماطلت سبعة أشهر، قبل أن ترسل مشروع البطاقة إلى المجلس النيابي، وعندما فعلتها، وصل مشروعها ناقصًا مشوّهًا، وخاليًا من تحديد مصادر تمويل البطاقة، بحيث اقترحت فتح اعتماد إضافي استثنائي في موازنة لم تقر بعد، بقيمة 1.235 مليار دولار. ألقت بمهمة البحث عن الأموال على عاتق المجلس النيابي. الأخير ليس أفضل حالًا، يدرك أعضاء اللجان النيابية أنّ تمويل البطاقة دونه صعوبات، وهناك طريقان، كلاهما مقفل. الأول، الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، أي ما تبقى من أموال المودعين، وهو طرح يرفضه حاكم المركزي وكتل برلمانية. الثاني، من خلال مصادر خارجية، وهو أمر غير متاح. أمّا قرض البنك الدولي، المخصّص لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار، فعدا عن أنّه ديون إضافية، لا يغطّي بأحسن الأحوال أكثر من 170 ألف أسرة، في وقت يبلغ عدد الأسر المحتاجة 750 ألف أسرة بحسب تقديرات الحكومة، علمًا أنّ العدد مرشّح للإرتفاع بعد رفع الدعم، بحيث سينضم معظم الموظفين إلى دائرة الأسر غير المقتدرة.
اللجان النيابية المشتركة ناقشت كل ما يتعلق بالبطاقة التمويلية. مصادر نيابية كشفت لـ “لبنان 24” أنّه تمّ تخفيض قيمة البطاقة من 137 $ إلى 93$ للأسرة الواحدة، وناقش النواب الإستفادة من 50 مليون يورو من الإتحاد الأوروبي لتغطية البطاقة لـ 70 ألف عائلة، والإستفادة من أموال كان قد منحها البنك الدولي لقروض لم تُنفذ وتحويلها لتمويل البطاقة، فضلًا عن قرض البنك الدولي لشبكة الأمان الإجتماعي، وما تبقّى يتم تمويله من فتح اعتماد استثنائي في مصرف لبنان.
لكنّ الطرح الأكثر إبتكارًا ورد في اقتراح تكتل “لبنان القوي”، وقد حضر رئيسه جبران باسيل شخصيًّا للمرة الثانية على التوالي لتسويق اقتراحه، وهو أنّ العائلات المحتاجة التي تملك حسابات مصرفيّة صغيرة بالدولار، تُعطى بطاقة تمويلية بقيمة 100$ شهريًا من حسابها المجمّد في المصرف، أي من “كيسها”، والأسر التي لا تملك حسابات مصرفيّة، فبإمكانها الاستفادة من بطاقات مموّلة على حساب الدولة، على أن تعتمد الحكومة على احتياطات المصرف المركزي لتوفير هذه الدولارات، أي من ودائع الناس.
داخل قاعة المجلس النيابي برز اتجاهان، واحد يربط إقرار البطاقة بإقرار خطة ترشيد الدعم أو إيقافه، واتجاه آخر يدعو إلى عزل البطاقة التمويلية عن مصير الدعم. عائق آخر برز خلال النقاشات، وهو عدم وجود قاعدة بيانات موحّدة وشاملة للعائلات المحتاجة في أيّ من مؤسسات الدولة.
اللجان المشتركة كانت قد شكّلت لجنة فرعية لدراسة مشروع البطاقة وحدّدت لها مهلة أسبوع، انقضت المهلة، ولم تفلح فرعية اللجان بحلّ معضلة التمويل. يكفي تصريح نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي بعد انتهاء جلسة اللجان، لإدراك أنّ البحث لم يتجاوز النقطة صفر.قانون البطاقة التمويلية بدأ النقاش به، وأدلى السادة النواب بملاحظاتهم. وأرجئت الجلسة الى يوم غد في تمام الساعة العاشرة والنصف لاستكمال النقاش عن البطاقة التمويلية وتمويلها”.
سنحسن النيّة ونفترض أنّ المجلس النيابي سيقرّ البطاقة التمويلية بأسرع وقت ممكن، من سيطبّقها؟ الحكومة الحالية العاجزة، أم الحكومة المقبلة التي لا زال تاريخ ولادتها بعلم الغيب؟ بأيّ حال ليست البطاقة وحدها شيكًا بلا رصيد، فقبلها أنجز النواب قانون الدولار الطالبي، وتسابقوا لزفّ البشرى لأهالي الطلاب، لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ بقي القانون من دون تطبيق.