من يقرأ كلام السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، اليوم، ويحلل تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، سيتأكد أن هناك توافقاً على منع إنهيار لبنان الذي بات الحديث عنه جدياً، وهو الأمر الذي يخشاه المجتمع الدولي برمّته.
في حديثها ضمن مقابلة تلفزيونية على ” الجديد” ، شدّدت شيا على ضرورة تشكيل ما وصفتها بـ”حكومة مَهمّة”، والتي من شأنها أن تقود لبنان إلى برّ الأمان عبر تنفيذ إصلاحات فعلية وجديّة. وفعلياً، فإن الكلام بهذا الخصوص بات لسان حال الأميركيين المتابعين للشأن اللبناني وأيضاً مطلب المجتمع الدولي، خصوصاً أنه ما من مساعدات سيحصل عليها لبنان سوى بحكومة فاعِلة تحمل خطة واضحة لإدارة الأزمة ومنع الإنهيار.
ووسط كل ذلك، فإنّ هناك 3 أمور بارزة في كلام شيا تحمل دلالات عميقة، وتشير من دون أي منازع أن تحصين لبنان مطروح على الطاولة ولكن لا موعد محددا له. وفي ما خص الأمر الأول، فإن شيا أكدت على “مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”، إذ قالت: “نحنُ مع الرؤية التي عبّر عنها الرئيس الفرنسي عندما قال إنّ ما يحتاجه لبنان فعلاً هو حكومة مَهمّة. هذه الحكومة التي تحدث عنها ماكرون تركّز على معالجة تداعيات الانفجار والتصدي لوباء كورونا والبدء بتنفيذ بعض الإصلاحات الرئيسية الضرورية لإحداث استقرار اقتصادي واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”. كذلك، اعتبرت شيا أن “الثلث المعطل يتعارض مع حكومة المَهمّة ومع الرؤية التي عبر عنها الرئيس ماكرون”. وفي مقاربة لهذا الأمر، فإن ما يتبين هو أن الإدارة الأميركية أعطت الزخم من جديد لمبادرة الرئيس الفرنسي، وكلام شيا بشأن حراك ماكرون يؤكد أن هناك توافقاً فعلياً بين فرنسا والولايات المتحدة على المقاربة الخاصة بالملف اللبناني. كذلك، فإن ما اتضح هو أن الولايات المتحدة مقتنعة برؤية فرنسا لإنقاذ لبنان، وهو الأمر الذي ينفي أي امتعاض أميركي من دور باريس على الساحة اللبنانية، كما أن ذلك يعطي دفعاً قوياً للرئيس المكلف سعد الحريري بإعادة التمسك بالمبادرة بعد “الضوء الأخضر الأميركي الأخير” لإعادة تفعيلها. وعملياً، فإن ما يؤكد هذا الكلام هو ما صرّح به وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان اليوم خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، إذ قال إن “فرنسا قررت إدارة الأزمة في لبنان بالتنسيق مع الولايات المتحدة وممارسة المزيد من الضغط على المسؤولين عن الأزمة”، مستطرداً بالقول: “نحنُ نعرفهم”. وهنا، فإن ما يمكن استشرافه من هذا الكلام هو أن الولايات المتحدة توافق على فرض عقوبات من قبل فرنسا على المسؤولين اللبنانيين، وهو الأمر الذي يشكل أداة ضغط أقوى. وفي ما خصّ الأمر الثاني الذي برز في كلام شيا، فيتعلق بإصرار الولايات المتحدة على دعم الجيش، وهو الأمر الذي يؤكد إصرار المجتمع الدولي على منع أي سيناريو لانهيار المؤسسة العسكرية. وفي هذا الإطار، يتقاطع هذا التأكيد الأميركي مع نظرة فرنسية أيضاً في سبيل تحصين الجيش، ما يعني رسالة واضحة أن “الإنفلات الأمني في لبنان ممنوع”. وعلى صعيد الأمر الثالث الذي تطرقت إليه شيا، فإنه يتمحور حول لجوء لبنان إلى النفط الإيراني، وقالت: “هذا ليس حلاً بالفعل، وإن تخلّصتم من الفساد المستشري في قطاعي الطاقة والكهرباء فستُحلّ نصف المشكلة على الفور”. وأضافت: “ما تتطلّع إليه إيران هو نوع من دولة تابعة يمكنها أن تستغلّها لتنفيذ جدول أعمالها وتتوفّر حلول أفضل بكثير من اللجوء إلى إيران”. وبشكل أساسي، فإن خلفيات كلام شيا بشأن هذه النقطة تبيّن أنه لا معارضة أميركية واضحة أو مباشرة للاستعانة بالنفط الإيراني، وهو الأمر الذي قد يكون مرتبطاً بتقدم المفاوضات في فيينا بين واشنطن وطهران. ومع هذا، فإنّ شيا ألمحت إلى وجود حلول أفضل بكثير من اللجوء إلى إيران، وبهذا الشأن تقول مصادر سياسية أن “شيا لم توضح ما هي هذه الحلول والتي قد تساهم في تعجيل انفراجة الأزمة، ويجب تقديمها لمعرفة سبل التعاطي معها”. لكن في ظل هذا الأمر، فإن شيا تعتبر أن المشكلة على صعيد النفط في لبنان مرتبطة بالفساد، وتعتبر أن التخلص منه سيساهم في وقف الأزمة القائمة حالياً. وهنا، فإن الرسالة واضحة بأن ما يحصل على صعيد أزمة النفط هو “فساد” بالدرجة الأولى، وما كلام السفيرة الأميركية إلا دعوة للجهات المعنية بالتحرك سريعاً وضبط ملف التهريب ومكافحة الاحتكار بشكل سريع.