كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”: بين يدي حزب الله بوصلة فيها إبرة، لكنه لا يريد تحريكها ولا اختيار أيّ من اتجاهيها الحتميين: نحو عون أم نحو برّي؟ اعتاد الحزب محناً أصعب من هذه بكثير وأخطر وأكثر كلفة، قلّما دقت أبواب غرفة النوم. مشكلته اليوم هي في السرير حتى، وليس في غرفة النوم فحسب.
أمام حزب الله الآن مشكلة مربكة ومقلقة، كانت في الأيام المنصرمة محور اجتماعات قيادته بين نصرالله ومعاونيه العاملين على خطَّي رئيسي الجمهورية (الممثل بالنائب جبران باسيل) والبرلمان. مشكلته هذه اثنتان متطلبتان وملحتان، ولا يسعه مقاربتهما بشغف بل بتحدٍّ جدي.
أولى، أنه لا يريد نزاعاً مع السنّة من خلال خلافه مع الحريري، الحليف المكتوم. شأن برّي، يشعر حزب الله بمسؤولية حياله. هما اللذان يحاولان إعادته إلى السلطة بعدما كان تخلى عنها لدى استقالته في تشرين الأول 2019، وكان أقرب ما يكون إلى ما رافق إسقاط حكومته عام 2011 عندما أُبعد عن الحكم فابتعد عن البلاد ثلاث سنوات. هما اللذان أمسكا بيده كي يُكلّف، ووفّرا له الغالبية المرجحة مع أن حزب الله لم يسمّه. هما أيضاً اللذان يمنعانه من الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، ويعدان نفسيهما مسؤولين عن إبقائه في هذا الموقع. لا يحتملان أي انكسار له، شأن اعتذاره في أحسن الأحوال، وسيقاربانه على أنه انكسار لهما، لكن أيضاً أقرب ما يكون إلى إخلال أخلاقي لمجرد تركه يهوي.
وصولهما معه إلى واقع كهذا يعيد اضطراب الشارع السنّي الذي يحرّكه الحريري من حين إلى آخر، كما لو أنه جرس إنذار في مناطق تقلق الحزب كالبقاع الأوسط وطريق بيروت – الجنوب وعند كورنيش المزرعة خط التماس السنّي – الشيعي.
كان الحزب تلقّى رسائل سنّية واضحة الدلالة، في أوقات مختلفة، طمأنته إلى أن الخطر على لبنان يقيم في الاشتباك السنّي – الشيعي وليس في الاشتباك السنّي – الماروني، أو الإسلامي – المسيحي. للتباين الإسلامي – المسيحي، على مرّ حالاته التاريخية في النزاعات الداخلية، تسويات سياسية مرضية تهدئه، يفتقر الاشتباك السنّي – الشيعي إلى الوصول السهل إليها ما لم يمر بالعنف وبالشارع خصوصاً وأولاً.
ثانية، لا يريد الحزب كسر الجرة مع رئيس الجمهورية من خلال باسيل الذي يمثله في كل تفاوض، وبات هو المعنيّ السياسي المباشر بتأليف الحكومة، كما بوصول التأليف إلى المأزق. لا يريد إشعار الرئيس بالخذلان والتخلي عنه بعدما قدّم له الكثير، ولا يريد الخروج من تحالفهما المبرم في «تفاهم مار مخايل»، ولا يريد حتماً أن يكون مسؤولاً عن تقويض العهد وتحميله مسؤولية الانهيار الوشيك. لا يكتم الحزب انزعاجه من أصوات تعلو في تيار باسيل تنتقده بعنف، وتأخذ عليه إخلاله بالتحالف، ولا يسعه في الوقت نفسه التعامل مع ردود الفعل تلك على أنها منفصلة عن قيادة التيار، في أبسط الأحوال لا تُطلق بلا إيعاز، وبعضها لا يخلو من كلام قاتل حتى. بذلك يواجه الحزب وحليفه رئيس الجمهورية وحزبه مشكلة مزدوجة: إعادة الثقة إلى علاقتهما، وفي الوقت نفسه فرض مرجعيته الوحيدة في النزاع الناشب مع برّي.
عندما طالب باسيل نصرالله بالتحكيم بينه ورئيس المجلس، واستطراداً بينه والرئيس المكلف، تلقّف الحزب الرسالة بتوجّس، مفاده توجيه الإصبع إلى داخل البيت الشيعي، كما لو أن المطلوب من نصرالله الوصول إلى ما لا يريده: المفاضلة المستحيلة، المعروفة الجواب سلفاً.
حزب الله بين عون وبرّي: بوصلة بلا إبرة
