كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: يبدو أن مسلسل إستهداف طرابلس مستمر، حيث تتحيّن ″أدواته″ الفرص للدخول على خط تسخين الأرضية بشعارات وأساليب مختلفة، تصب في خدمة مشروع ضرب المدينة وتهجير مؤسساتها وتصحيرها وعزلها وإفقارها، بهدف إستخدامها في مشاريع مشبوهة لتكون جاهزة لاطلاق شرارة الفتنة عندما تدعو الحاجة السياسية أو الأمنية.
لطالما شكلت طرابلس في سنوات خلت، صندوق بريد لتبادل الرسائل بين التيارات السياسية أو ترجمة صراعات الأجهزة الأمنية في أحيائها، خصوصا أنها مدينة مهمشة محرومة، بعيدة عن العاصمة، ما يعني أن توتراتها وجولاتها العنفية المسلحة لا تنعكس سلبا على إقتصاد البلاد وحركة العاصمة بيروت، كما أن المدينة ممسوكة سياسيا وأمنيا، ما يعني أن التفلت الأمني فيها يبقى تحت سيطرة المعنيين بما يمكنهم من التحكم فيه بالروموت كونترول الى أن يؤدي الغرض منه.
لذلك، عندما شعر أركان السلطة أن جولات العنف في التبانة وجبل محسن بدأت تتفلت من تحت سيطرتهم بعدما إرتبطت إرتباطا وثيقا بالثورة السورية وصراع جبهة النصرة ومع النظام، سارع الجميع في أول نيسان من العام 2014 الى توحيد الجهود لايقافها بتطبيق الخطة الأمنية التي ترافقت مع حكومة وحدة وطنية جمعت الأضداد المتخاصمين في السياسة، ما أدى الى عودة الهدوء الى المدينة والى إزالة الجبهات وفتح المحاور، ودكّ أدوات تلك الجولات في السجون أو قتلهم خلال مداهمتهم بعدما إنتهى الدور الموكل إليهم.
بعد ذلك، إستعادت طرابلس حياتها الطبيعية، وعاشت إستقرارا في ظل الخطة الأمنية وفي كنف الجيش الذي تخاوى مع الأهالي في مناطق كثيرة ما سهّل مهمته في حفظ الأمن.
إستقرار طرابلس لم يوقف محاولات إستهدافها، إنطلاقا من قناعة المستهدِفين بأنها “خاصرة رخوة” وأن حرمانها وطيبة أهلها وفقرهم يساعد على إستخدامهم، وفي حال الفشل، فإن إنفتاح المدينة على الجوار ووجود الكثير من أبناء الأقضية الشمالية في مناطقها إضافة الى النازحين السوريين، يفتح الباب للاستعانة بـ”المرتزقة” من خارج طرابلس للقيام ببعض المهام التخريبية ضمن إطار الاحتجاجات التي يمكن إثارتها في المدينة بين الحين والآخر.منذ إنطلاق ثورة 17 تشرين وبعد أن لفتت طرابلس نظر العالم وإستحقت عن جدارة لقب عروس الثورة، نشطت محاولات الاستهداف والاستخدام والتي بدأت تظهر جليا من خلال بعض الممارسات الشاذة التي رفضتها عائلات المدينة وأهلها فهجروا الشوارع والساحات وإلتزموا منازلهم، لتتحول التحركات الى موسمية لبعض الثوار الذين تقودهم حماستهم الى أخطاء يسارع أصحاب الأجندات المتربصين شرا بطرابلس الى الاستفادة منها للاساءة الى كل ما يخص المدينة من قيادات ومؤسسات ومرافق وممتلكات، فضلا عن تشويه صورة أبنائها باظهارهم أنهم خارجون عن الدولة والقانون من خلال المواجهات مع الجيش والقوى الأمنية وصولا الى الاعتداء عليهم.
هذه المشاريع المشبوهة تبوء في كل مرة بالفشل، إنطلاقا من وعي وحكمة الطرابلسيين وجدية الجيش في التصدي لكل التجاوزات، لكن يبدو أن ثمة مشروع أكبر من ذلك، يهدف الى تهجير كل المؤسسات من طرابلس بدءً من السراي مرورا بالمحاكم والمصارف والمؤسسات التجارية والمطاعم، وصولا الى المالية والعقارية والبلدية التي أحرقت في الجولة السابقة من دون أن يعرف الطرابلسيون غريمهم الذي أحرق تراثهم ورمز مدينتهم.
والأخطر من ذلك، هو محاولات عزل المدينة بقطع الطرق بالسواتر الترابية ما يذكر بأيام سوداء مضت، فضلا عن عمليات الاستفزاز المتكررة أمام منازل نواب طرابلس بممارسات لا تمت الى أخلاق الطرابلسيين الذين في حال أرادوا التغيير فهم سيمارسون حقهم في الانتخابات النيابية المقبلة، أما الاستدراج المستمر الى إشكالات وإطلاق نار، فضلا عن الاستهداف المباشر للجيش بالقنابل، وترويع الأهالي باطلاق النار في أرجاء المدينة، فهذا كله يشير الى أن المخطط الجهنمي لطرابلس بلغ مراحل متقدمة وأن أصحابه يفتشون عن الدم لتسعير الفتنة.
هذا الاستهداف الواضح بات يتطلب وحدة في المواقف الطرابلسية على إختلاف توجهاتها، لقطع الطريق على هذه الفتنة التي ينفخ بعض الموتورين في بوقها سواء عن جهل أو بفعل “تكليف” آن الأوان لأن تعمل الأجهزة الأمنية والجيش على كشف اللثام عنه، خصوصا أن الوتيرة التي يسير فيها السلوك الفتنوي في طرابلس قد يؤدي الى إنزلاق المدينة نحو دركٍ أمني صعب، والتجارب المريرة سابقا ما تزال شاهدة.