بما أني واحد من ملايين المغتربين المنتشرين في أصقاع العالم أسمح لنفسي بأن يكون لي تعليق على كلام ورد بالأمس على لسان فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في خلال ترؤسه إجتماع مجلس الدفاع الأعلى، حيث طالب في مجال تطرقه إلى الوضع الأمني المضطرب بضرورة ضبطه “خصوصاً مع حلول فصل الصيف حيث يُتوّقع أن يكون الموسم السياحي واعداً مع مجيء اللبنانيين المنتشرين في الخارج”.
ولكي يكون تعليقي علميًا وغير اعتباطي وغير منحاز وغير دقيق، سأحاول قدر المستطاع أن أضع بعض النقاط على الحروف النافرة، إنطلاقًا مما نسمعه كل يوم من أحباء لا يزالون يعيشون في “جهنم”، وهم قلقون على المصير وخائفون من المستقبل المجهول – المعلوم. أولًا، صحيح أن الفرق الشاسع بين سعر صرف الدولار الأميركي والليرة اللبنانية يغري المغتربين أو الذين يرغبون بتمضية فصل الصيف في الربوع اللبنانية، بإعتبار أنهم يستطيعون بحفنة من الدولارات أن “يتبحبحوا” بالصرف في لبنان. وهنا يمكن الإستعانة بالقول الشهير للمتنبي “مصائب قوم عن قوم فوائد”.
وهذا الأمر إن حصل، فإن ما سيصرفه المغتربون في الأسواق اللبنانية بالدولار سيعيد إلى الدورة الإقتصادية بعضًا من حيويتها، وستعود الفنادق والمطاعم ومحلات التبضّع إلى ضخ الحياة في شرايين الإقتصاد اللبناني، مما يعني المزيد من حركة الإستثمار الداخلي.
ولكن هذا الأمر، إن حصل، وعلى رغم حسناته الكثيرة، له بعض السيئات، إذ أن بعض أصحاب الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية سيحاولون التعويض عن خسائرهم المتراكمة بـ”لغم” الفواتير، ورفع الأسعار، مما سينعكس سلبًا على سمعة لبنان أولًا، وعلى القدرة الشرائية للبنانيين، الذين يعانون في الأساس من فوضى إرتفاع الأسعار، من دون أن يكون هناك من يراقب أو من يحاسب، خصوصًا أننا لا نزال نسمع المسؤولين يتكلمون بصيغة “التمني”، مما يوحي بأنهم بالفعل غير مسؤولين سوى عن بضعة أمتار من مقار إقامتهم الرسمية المؤقتة.
ثانيًا، إذا كان بالفعل ترون أن الموسم السياحي سيكون واعدًا، نسأل بصيغة العارف: ماذا فعلتم لكي يطمئن هذا السائح أو ذاك المصطاف من المغتربين، بعدما “هشلتم” إخواننا المصطافين العرب، إلى أمنه أولًا وإلى سلامته الشخصية ثانيًا، خصوصًا أن أخبار قطع الطرقات، التي أصبحت عادة يومية بعدما بات الوضع المعيشي لا يُطاق، تتوالى من دون إنقطاع وتصل أصداؤها إلى بلاد الإنتشار.
بالأمس عرفت أن عائلة مكونة من والدة وطفلين، صبي وبنت، أتت من دبي لتمضية فصل الصيف في لبنان، على أن يلحق بها ربّ العائلة لاحقًا، إضطرّت لأن تترجل من “التاكسي” وتحمل حقائبها وتسير على الأقدام لكي تستطيع أن تقطع مسافة مئة متر فوق الحجارة والإطارات المشتعلة على طريق المطار. هذا مثل من ألف.
فكيف تطلبون من المغتربين أن يأتوا إلى لبنان وأنتم غير قادرين على منع قطع طريق من هنا أو الإعتداء على مبنى عام أو خاص من هناك، مع العلم أن الجيش يقوم بواجباته على أكمل وجه، على رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها أفراده مثلهم مثل بقية الشعب اللبناني.
ثالثًا، المغترب الذي سيقصد لبنان لا يخطط لكي يبقى طيلة الوقت قابعًا في البيت أو أسيرًا داخل أربعة جدران، بل يريد أن يسوح في أرجاء الوطن، وهو أمر مستحيل في ظل فقدان مادة البنزين، وهو غير مضطرّ لأن ينتظر في “الصف” ساعات طويلة لكي يستطيع تعبئة خزان سيارته بعشرين ألف ليرة مثلًا. فماذا فعلتم ايها المسؤولون حيال هذا الأمر؟
رابعًا، هل تتخيلون أن المغتربين، حتى الذين تقولون عنهم أنهم يعيشون في آخر اصقاع ومجاهل الدنيا يستطيعون أن يتحمّلوا إنقطاع التيار الكهربائي حتى لو لدقيقة واحدة؟
كيف تطلبون من المغتربين أن يأتوا إلى لبنان من دون أن تتعبوا أنفسكم وتؤمنوا لهم أدنى مستويات الحياة اللائقة والكريمة.
فإذا أراد اللبنانيون أن يأتوا إلى لبنان ليأكلوا الكبّة النية والتبولة فإنهم قادرون على أن يفعلوا ذلك حيث هم، بعدما أصبح كل حي من أحياء عواصم الإغتراب لبنانًا مصغرًا.
للمغتربين الذين قرروا تمضية فصل الصيف في الربوع اللبنانية نقول لهم لا تنسوا أن تقرأوا اللافتة الموضوعة على جسر المطار” إبتسموا أنتم في “جهنم”.
نتمنى أن تكّذبنا الوقائع وأن تصدق الوعود وتتوفر الكهرباء بعدما دخل لبنان عصر العتمة، وأن تتأمن مادتا المازوت والبنزين غير الإيرانيين. فاللبنانيون لا يزالون ينتظرون “الوعد الصادق”.