يلتقي قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس اليوم في الفاتيكان مسؤولي الكنائس في لبنان، وهم البطاركة الكاثوليك والبطاركة الأرثوذكس وللسريان والأرمن الأرثوذكس، فضلا عن مسؤولي الكنائس الإنجيلية، وذلك بهدف تكوين رؤية مسيحية موّحدة عن كيفية مساعدة لبنان المثقل بأزمات سياسية وإقتصادية حادة، وعلى الخروج من هذا الوضع الصعب الذي لم يسبق أن شهد مثيلا له خلال تاريخه الحديث.
اللقاء سيحمل العديد من الإشارات البليغة وسيكون بمثابة سينودس مصّغر يدل إلى أن الديبلوماسية الفاتيكانية وضعت القضية اللبنانية في سلم أولوياتها، خصوصا بعدما باتت على بينة بالأرقام والوقائع من الخطر الذي يتهدد وجود المسيحيين ودورهم في لبنان، علما أن البحث في اللقاء لن يُحصر بأوضاع المسيحيين فحسب، وإنما بمصير لبنان ومستقبله، لأن الفاتيكان ينطلق دوما من التماثل بين مصير الوجود المسيحي ومصير لبنان ككل. ومن الطبيعي أن يتناول النقاش مسألة الوجود المسيحي في الشرق، حيث أن الفاتيكان مواكب لمسألة الأقليات ومتوجس من التحّولات ومن التغيير الذي يلوح في الأفق. ومن الطبيعي أيضًا أن يكون مستقبل الوجود المسيحي في لبنان هو المحور والهدف في ظل “أزمة وجودية” يمر بها. وعلى الأرجح، فإن الفاتيكان لن يدخل في التفاصيل السياسية اللبنانية، بل سيلجأ الى جمع رؤية موحّدة لأن البابا يعرف كل ما يدور في لبنان، وتحفظ دوائر الفاتيكان غيبا الإختلافات والنقاشات السياسية وما يدور في المؤسسات الرسمية والدينية وكل التفاصيل المتعلقة باليوميات السياسية والمالية والإقتصادية.
فالفاتيكان لا يريد في هذا المؤتمر سوى رفع مستوى النقاش، لأن ما يصبو إليه البابا فعليا من خلال دعوته القادة الروحيين هو أن يسمع منهم جميعا رؤيتهم للبنان تحت عنوان له بُعد آخر: “ماذا يريد المسيحيون من لبنان، وماذا يريدون له، وماذا يفعلون له؟
تكمن بساطة هذه الفكرة، في أنها عميقة بمدلولاتها وتأثيراتها المستقبلية، لأنها بمثابة هزة ضمير للمسؤولين الروحيين، في التفكير جديا عما يمكن تقديمه لوطنهم. فالمسيحيون الذين كانت لديهم رؤية للبنان في ماضيه وحاضره، وكان ولا يزال لهم دور أساسي فيه، يفترض أن يكون لديهم رؤية مستقبلية عن الوطن الذي يريدونه، بعيدا عن أي أفكار سياسية أو دستورية ونقاشات تفصيلية داخلية. البابا أراد من خلال هذا المؤتمر توجيه الرسائل في أكثر من إتجاه، وهي كالتالي: -من أجل إبقاء المسيحيين في أرضهم وعدم الهجرة، بل على العكس التشبّث بوطنهم، وعدم تركه على رغم الظروف الصعبة، والعمل للحد من الهجرة وتحديد السبل والوسائل التي تخدم هذا الهدف. -إعطاء الأمل للمسيحيين في أنهم غير متروكين لقدرهم ومصيرهم الغامض، وأن الفاتيكان يتابع قضيتهم عن كثب، وهو أكثر من حريص على بقائهم ووجودهم ودورهم في لبنان والمنطقة. -من أجل وحدة الموقف بين جميع المسيحيين أولا، على أن يمهّد ذلك لوحدة موقف بين كل الطوائف في مقاربة الشؤون اللبنانية الوطنية. -رسالة موّجهة الى جميع القوى في لبنان بأن الفاتيكان حريص على جميع اللبنانيين، ولا يميّز بين المسيحيين والمسلمين، وبأنه حريص على نموذج التعايش. -رسالة مو ّجهة إلى المجتمع الدولي، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية، بأن الفاتيكان لن يسمح بأن يكون لبنان لقمة سائغة على أي طاولة مفاوضات يمكن أن تتقّرر فيها مسائل لا علاقة لها بسيادة لبنان واستقلاله، وبالتالي، فإن الفاتيكان لن يسمح بأي مقايضة على حساب لبنان وقضيته ودوره التاريخي النموذجي على مستوى الرسالة. فهل سيكون المسؤولون الروحيون المسيحيون على مستوى حمل هذه المسؤولية، وهل سيكون في إستطاعتهم إحداث تغيير ما؟ -رسالة باتجاه الدول الإقليمية، بأن الفاتيكان لن يتهاون مع إبقاء لبنان ساحة مستباحة لبعض القوى التي لا تتعامل معه كدولة مستقلة.وفي الخلاصة، يمكن القول إن أهداف المؤتمر والحركة التي يقوم يقوم بها الفاتيكان تجاه لبنان تتركز حول أمرين أساسيين: – إنقاذ لبنان ككل، والإصرار على أن يشكل هذا البلد صيغة متقدمة لضمان التفاعل الحضاري والتعايش بين الأديان، وأن الفرصة لا تزال سانحة لإنقاذه. -إبقاء المسيحيين في الشرق عموما وفي لبنان خصوصا وتوفير أسباب صمودهم الإقتصادي والمعنوي في إطار إلتزام الكنيسة بمساعدة لبنان على الصمود والإستمرارية، وضرورة إنقاذ لبنان أو على الأقل وضعه على سكة الحل.