جلسة مجلس النواب “الحارّة”.. هل شعر “ممثلو الشعب” بالمعاناة؟

1 يوليو 2021
جلسة مجلس النواب “الحارّة”.. هل شعر “ممثلو الشعب” بالمعاناة؟

لم تكن البطاقة التمويليّة، حقيقيّة كانت أم موهومة، حلاً للمأزق أم مشكلة مُضافة، “نجمة” جلسة مجلس النواب التي عُقِدت في قصر الأونيسكو. على النقيض، كان تعطّل المكيّفات في القاعة هو “النجم الأوحد” للجلسة، ما اضطر بعض النواب إلى خلع سُترِهم، والخروج لتنفّس بعض “الهواء”، وآخرين للشكوى، والخوف على كبار السنّ منهم.
 
لم يكن المشهد معتادًا بالنسبة إلى “ممثلي الشعب”، ولو أنّه أكثر من عاديّ بالنسبة إلى “الشعب”، الذي لا تملك شريحة واسعة منه “ترف” المكيّف أصلاً، ومن يمتلك هذا “الترف” بات محرومًا منه بفِعل الانقطاع شبه الدائم للكهرباء، وامتداده حتّى إلى المولّدات، في ضوء أزمة المحروقات التي لا يبدو أنّها ستنتهي فصولاً في وقتٍ قريب، رغم كلّ الوعود.
 
وبعيدًا عن منطق “الشماتة” الذي قد لا يكون محبَّذًا، لم يُخفِ كثيرون “غبطتهم” بمشهد النواب يتصبّبون عرقًا، لا من باب تمنّي “الشرّ” لهم لا سمح الله، ولكن من باب “المساواة” ربما، استنادًا إلى مبدأ أنّ من ساوى نفسه بالشعب لا يمكن أن يَظلِمه، وبالتالي فقد يكون شعور بعض النواب بـ”المذلّة” التي يعيشها اللبنانيون يوميًا، مفيدًا لتغيير الكثير من المقاربات…
 
“الأجندة” بقيت على حالها
 
للوهلة الأولى، لم تعكِس جلسة مجلس النواب مثل هذا الأمر. شعر النواب بالتعب والإرهاب، وامتعضوا من غياب التكييف وأبدوا اعتراضهم، لكنّهم لم يعدّلوا شيئًا في “أجندتهم”، التي لم تتأثّر لدى معظمهم أيضًا بالأخبار التي تمّ تداولها تزامنًا مع الجلسة عن احتجاجات في أكثر من منطقة، وعن انتشار مسلّح وإطلاق نار في الهواء وغير ذلك من الأمور التي وجد فيها البعض “تبريرًا” لما صدر عن مجلس الدفاع الأعلى قبل يومين من تحذيرات “تهويليّة”.
 
هكذا، سارت جلسة مجلس النواب كما كان مخطّطًا لها، فامتلأت على جري العادة بالمواقف السياسيّة وتسجيل النقاط بين مختلف الفرقاء المتخاصمين، حتى أنّ النقاش بالبطاقة التمويليّة، التي أقرّها البرلمان، لم يَخلُ من بعض المواقف المُستغرَبة، كرفض أحدهم أن “يقبض” الناس مالاً بدون عمل، وأن يقترح آخر تضمين القانون بندًا بمنح المودعين مئة دولار من حساباتهم، في “قوننة” لعملية احتجاز الودائع المتواصلة دون وجه حقّ.
 
وإذا كان الأهمّ من كلّ ذلك “استثناء” الطبقة الوُسطى التي تتآكل يومًا بعد يوم من لائحة “المستفيدين” بهذه البطاقة، رغم أنّ كلّ الدراسات باتت تؤكد أنّ المحسوبين عليها باتوا بشكل أو بآخر من “الفقراء الجُدُد، فإنّ المواقف “الشعبويّة” حضرت أيضًا على خطّ الجلسة، سواء من خلال انسحاب “القوات اللبنانية”، المصحوب بـ”طنّة ورنّة”، أو بردود “التيار الوطني الحر”، ومواقف رئيسه الذي يواصل التعامل مع الأزمة الحكوميّة، وفق منطق “التصلّب” نفسه.
 
“رشوة انتخابيّة”؟
 
يبقى أنّ “البطاقة التمويليّة” شكّلت “الإنجاز الأهمّ” للجلسة “الملتهِبة” بحسب ما أكّد النواب أنفسهم، رغم أنّ إقرار مشروعها ليس سوى “أول الطريق” التي قد لا تصل إلى “خواتيمها”، في ظلّ الأعباء الملقاة على عاتق حكومة تصريف الأعمال لجهة تحديد الآليّات والمستفيدين وسائر التفاصيل، وسط “تشكيك” لدى البعض بقدرتها على أن تنفّذ في أسبوعين ما عجزت عن إنجازه في أشهر طويلة، رغم ما أثير عن “تعهّدات”.
 
وأبعد من ذلك، ثمّة علامات استفهام بالجملة لا تزال تُطرَح وتثير “التباسًا” حول هذه البطاقة ومحلّها من الإعراب، وقبل ذلك، حول مصادر تمويلها الفعليّة، وما إذا كان يمكن أن تؤدّي إلى مضاعفة المشكلة، خصوصًا في ضوء ما يؤكده الخبراء عن أنّ تمويلها لن يتمّ من ودائع اللبنانيين التي أصبحت “في خبر كان”، ولكن ما قد يكون أخطر من ذلك، أنّها ستُموَّل من “الاحتياطيّ”، ما قد يسهم في جرّ البلاد إلى المجهول، أو “جهنّم” الموعودة.
 
لكن، على طريقة “إذا عُرف السبب بطُل العجب”، ثمّة من يربط هذه البطاقة وطريقة إقرارها، بعيدًا عن أيّ دراسات وتقديرات جدية، بالانتخابات التي باتت حساباتها تطغى على كلّ ما عداها، في ظلّ خشية من أن يكون مشروع البطاقة مجرّد “رشوة انتخابية” قد تكون قريبة في مكان من مشروع سلسلة الرتب والرواتب، التي يعتقد كثيرون أنّ إقرارها قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، مع أحقّيتها، شكّل “شرارة” تفجير الاقتصاد المنهار أصلاً، والذي لم يكن يحتمل تبعاتها.
 
يقول البعض إنّ النواب جرّبوا في جلستهم الملتهبة والحارة نار “جهنّم” التي لطالما حذّروا المواطنين منها، من دون أن يفعلوا شيئًا في المقابل لتفادي الوصول إليها. رغم ذلك، يمكن القول إنّ “جهنّم” هذه لا قيمة لها، في مقابل “جهنّم” التي يعانيها المواطنون كلّ يوم، مع حفلات “الإذلال” التي لا تنتهي، والتي لن يضع خفض الدعم عن المحروقات “نسبيًا”، وكما يرغب أصحاب المحطّات، حدًا لها، بل العكس من ذلك على الأرجح!