“بريسي” مُنعت من الدخول إلى المسبح لأنها.. فيليبينية!

5 يوليو 2021
“بريسي” مُنعت من الدخول إلى المسبح لأنها.. فيليبينية!

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”: قبل ثلاثين عاماً قصدت الصبية الفيليبينية “بريسي” لبنان، وحلمها كان أن تعمل في محل لتنسيق الورود، بيد ان المكتب فرض عليها العمل خادمة في البيوت واختار لها عائلة لبنانية مقيمة في الرابية. كان صاحب المنزل يقفل ثلاجة الطعام بالمفتاح ويسمح لها بقطعة خبز عليها القليل من الزبدة يومياً. سوء المعاملة حملها على الهرب والعودة الى مكتب الإستخدام وبقيت أوراقها الثبوتية قيد الحجز لديه.

في هذا الوقت كان ناجي وهو رب عائلة يوقّع معاملات الطلاق مع زوجته التي هجرت المنزل وقصد مكتب الخدم باحثاً عن مربية تساعده بتربية ولديه. استعان بها موقتاً غير ان الموقّت امتد مسافة عشر سنوات شغلت خلالها الفتاة الفيليبينية موقع المربية واكتسبت ثقة العائلة عن كثب، وكان تأثيرها على الولدين يزداد مع الوقت ولا تزال مشورتها حتى اليوم تتقدم على آراء الجميع لشدة تعلقهما بها.بشعور من الخوف والريبة أبلغت بريسي مخدومها ناجي انها تعرفت الى ايلي الشاب اللبناني ويريدان تكليل حبهما بالزواج. شجعهما على الفكرة وسهل عليهما مشقة الطريق بأن أمّن لهما عش الزوجية في غرفة يملكها على سطح المبنى حيث يقيم. لكن حلّ مشكلة السكن لم يلغِ بقية العقبات التي اعترضتهما.

إعتراض عائليمنذ البداية لم يكن اعلان نيتهما الإرتباط ليسير بشكله الطبيعي في بلد كلبنان، حيث اللبناني يهمّش ويتعاطى بفوقيّة مع ذوي العرق الآسيوي، من سريلانكا والفيليبين حتى بقية الجنسيات التي يقصد أصحابها لبنان طلباً للعمل والاسترزاق. عندما صارح إيلي والدته بنيته الزواج من بريسي صرخت غاضبة “ما في غيرها لتتزوجها، ما لقيت شي بنت لبنانية؟”، وأبعد من الممانعة ذهب زوج أخته الى حدّ اعتبار الأمر معيباً محاولاً التهويل على بريسي وتحذيرها من مغبة الارتباط بإيلي. يقول إيلي “واجهنا الصعوبات في البداية ولكن مع مرور الوقت صارت زوجتي جزءاً من العائلة ويبادلونها الحب والتقدير ولا سيما مع وجود ولدين”، ينتقي إيلي عباراته بعناية ويتحفظ عن سرد تفاصيل الصعوبات التي واجهته وزوجته عند ارتباطهما ويكتفي بالقول: “اعترض قسم من العائلة في بداية الأمر ثم باركوا زواجنا لاحقاً وحضروا حفل الزفاف في الكنيسة وبات كل شيء طبيعياً”.
 
 
 
تحفظ ايلي لا نجده في زوجته التي تتحدث بعفوية مطلقة وبصدق نابع من القلب. هي التي قصدت لبنان وفوجئت كيف يتعاطى معها المجتمع اللبناني بفوقية وتقول “عارض أهله زواجنا لانني فيليبينية وأعمل في المنازل ما يعني بالنسبة لهم ان مستواي “واطي”. تبدو وكأنها عانت الأمرّين لكن اصرارها على المواجهة والتحدي حمل أفراد العائلة على إعادة النظر بموقفهم فاستقبلوها عروساً فيليبينية في منزلهم وتقول: “عندما تأكد أهل زوجي من حبي له غيّروا رأيهم”. بريسي تُخبر ذلك مع تأكيدها انها لم تكن تهتم منذ البداية لآراء اللبنانيين بعلاقتها مع زوجها.
 
 
تزوّجا وزاد حبهما بعدما رُزقا بولدين ونالت على أثرها الزوجة الجنسية اللبنانية لكن لبنانيتها استمرت على الورق كونها لم تحجب عنها نظرات استغراب اللبنانيين ولا حملتهم على التعاطي معها كمواطنة مثلهم. انتقلت للعمل في محل لبيع الألعاب حيث كان المصير ذاته في انتظارها وهي المرأة الفيليبينية التي باتت مديرة المتجر لأمانتها ما دفع اللبنانيين العاملين في المتجر الى الإحتجاج وتقول “بيتطلعوا اللبنانيين فيي من فوق لتحت لأنني فيليبينية وبيقولوا ما لقيتو لبنانية. أحزن بيني وبين نفسي لكني لا أجيبهم وآخر همي كلامهم. لا اهتم لرأيهم ولا لنظراتهم تجاهي. فلا فرق بيني وبينهم. كلنا مثل بعضنا البعض. وإذا كان لبنان جميلاً فالفيليبين “كمان”.على مقربة من والدتها تقف تيا لتساعدها في انتقاء كلمات للتعبير باللغة العربية، بثقة تتحضّر للتعبير عن سخطها من اللبنانيين لسوء تعاطيهم مع والدتها… جمعت في تكوين وجهها ملامح لبنانية وفيليبينية وضحكة لا تفارق وجهها لتعرّف عن نفسها على الشكل التالي”اسمي تيا فرح والدي لبناني وأمي فيليبينية وقد تعرّضت للتنمّر وانا صغيرة لأجل ذلك” ثم تتابع روايتها “كنت صغيرة عندما بدأ رفاقي يسخرون مني بسبب لون بشرتي وشكل أنفي وتكاويني ويقولون لي أمك بتشتغل بالبيوت، وأحدهم سألني هل امك سريلانكية؟”.تسخر تيا من استغراب مَن حولها واسئلتهم وتقول: “لا أعرف “ليش” اللبنانيين “شايفين” حالهم و”ليش” حين أكون مع امي ينظرون إلينا من فوق لتحت بطريقة بشعة. انا مثلهم لبنانية فلماذا يعاملون أمي “هيك؟”. قبل سنوات قصدت تيا الفيليبين ومكثت فترة لدى اهل والدتها ولمست الفرق الشاسع في نظرة الناس لهما بين البلدين رغم كون والدها بالنسبة لأقاربها هو اجنبي ايضاً وتقول: “الفيليبين أجمل بكثير من لبنان وكل شي هناك أجمل والناس لا تتدخل بنا”.
 
 
لا تنسى تيا يوم قصدت البحر برفقة عائلتها ومنعت والدتها من الدخول لإعتقادهم انها الخادمة ما أثار غضب العائلة كثيراً وتقول: “أستغرب دائماً طريقة تعامل الناس مع والدتي. أصبحنا في القرن الواحد والعشرين ولا نزال نميز بين بعضنا البعض” وتستطرد بالقول “العالم بيفكروا انها بتشتغل عندي بالبيت. شي بيزعل”.اما مارك ابن الـ 13 عاماً الذي بات اليوم اكثر انسجاماً مع واقعه وأصحابه فإن أكثر ما يزعجه هو نظرات الناس “وقت روح اتمشى انا وأمي”، يقول “لما كنت صغيراً كانوا يسألونني اذا هيدي أمي وما كنت رد، بعدين صرت رد وما عندي مشكلة”. على الرغم من كونه بات اقدر على المواجهة وتصالح مع فكرة امه الاجنبية الا انه لا يتردد في التعبير عن رغبته بالعيش في الفيليبين التي زارها يوم كان صغيراً قبل سبع سنوات ويقول: “هناك أجمل. هناك لا نخجل من شيء ولا نتعرض للسخرية من أحد ولا للتنمّر من أي طرف. ولا أحد يعاملنا كغرباء. في الفيليبين لا يميزون بين لبناني وفيليبيني وأميركي وفرنسي. الإنسان هناك إنسان”.

المصدر:
نداء الوطن