مجدّدًا، أطلّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ليشكو ما يصفه بـ”الحصار الدوليّ” على لبنان، ويناشد دول العالم الصديقة لمساعدة الشعب اللبناني، وعدم تحميله وزر ما يرتكبه “الفاسدون”، أو “معاقبته” بسبب أفعال غيره، على حدّ ما قال، منبّهًا إلى أنّ البلد “على شفير الكارثة”، وأنّ أيامًا قليلة تفصله عن “الانفجار المجتمعيّ”.
قد لا يكون كلام دياب هذا جديدًا بالمعنى الكامل، ولو أنّ “الخطر” المحدق بالبلاد يتفاقم أكثر فأكثر مع كلّ يوم يمرّ، إذ سبق له أن أطلّ مرارًا وتكرارًا بكلماتٍ ومؤتمراتٍ صحافيّة وجّهها إلى اللبنانيّين، سعى من خلالها إلى “تبرئة ذمّته”، ورمي الكرة في ملعب الآخرين، ولا سيّما الحكومات المتعاقبة التي سبقت وصوله إلى السراي، على طريقة “أعذِر من أنذَر”.لكنّ الجديد هذه المرّة أنّ كلام دياب جاء في حضرة السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية في لبنان، أو من دعاهم دياب ليكونوا “رسُل لبنان في دولهم”، حيث ناشدهم التحرّك لدعم لبنان “قبل فوات الأوان”، وهو ما لا يبدو أنّه قوبِل بارتياح لدى السفراء أنفسهم، الذين سارعوا إلى الردّ على رئيس الحكومة مباشرةً، ودون قفّازات، في “سابقة” دبلوماسيّة من نوعها.
“الحقّ عالطليان”؟!بمُعزَل عن النوايا الحقيقية التي دفعت رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى جمع السفراء وممثلي البعثات الدولية والأجنبية في لبنان، لمطالبتهم بالضغط من أجل مساعدة لبنان في ظلّ الأزمات “الكارثيّة” التي يتخبّط خلفها، ثمّة من يرى أنّ خطوة الرجل لم تكن “موفَّقة” لا في الشكل ولا في المضمون، بدليل الردود التي اصطدم بها، من جانب سفراء لطالما التزموا “الدبلوماسية” نهجًا في تعاملهم مع القادة السياسيّين في لبنان وغيره من دول العالم.ولعلّ “الخطأ” الذي ارتكبه دياب في هذا الإطار، وفق ما يرى البعض، أنّه بدا في خطابه كمن “يصوّب” على دول العالم، محمّلاً إياها مسؤولية وصول الأزمة اللبنانية إلى ما وصلت إليه، بشكلٍ مجافٍ للواقع، وفق المنطق الشائع “الحق عالطليان” الذي يكرّره البعض في كلّ المحطّات والمناسبات، مع ما ينطوي عليه ذلك من “تجاهل” للجذور الحقيقيّة للمشكلة، التي لا تُعتبَر حكومته، ولو كانت “آخر العنقود” بعيدة عنها بالمُطلَق.وقد يكون ما “استفزّ” السفراء وممثلي البعثات الأجنبية والدولية الذين أتى معظمهم إلى الاجتماع مع دياب، دون أن يعرفوا “أهدافه”، أنّ رئيس الحكومة طالبهم بالقيام بدورٍ كانوا سبّاقين إلى المبادرة إليه طيلة الأشهر الماضية، إلا أنّ دياب وغيره من قادة لبنان يدركون أنّه يبقى “محصورًا”، طالما أنّ الجانب اللبنانيّ لم يقم بمسؤوليّاته في هذا الصدد، وهو ما اختصره الفرنسيّون سابقًا بشعارهم الشهير لقادة لبنان “ساعدونا لنساعدكم”.مسؤولية حكومة ديابفي الشكل والمضمون إذًا، يبدو أنّ مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال لجمع السفراء وممثلي البعثات الأجنبية ومناشدتهم دعم لبنان في ظلّ الأزمة التي يمرّ بها، لم تكن موفّقة، أو بالحدّ الأدنى لم تحقّق الغايات المنشودة منها، بل “انقلبت” على دياب نفسه، ما اضطر دوائر السراي إلى قطع النقل المباشر مع توالي الردود “القاسية”، وغير الدبلوماسية، عليه.ثمّة من لا يعتبر الأمر مفاجئًا، فالوقت ليس وقت وعظ وتنظير، بل وقت عمل، وهو ما لم ينجح دياب في تجاوز “امتحانه”، رغم ما يُحكى عن “نوايا حسنة”، إذ إنّ حكومته التي قد يكون من الظلم تحميلها مسؤولية “الانهيار” بالكامل، طالما أنّها وصلت بعد بدء “بشائره”، كان ينبغي أن “تستنفر” لإطلاق ورشة “الإنقاذ”، فإذا بها تقع في فخّ “المماطلة القاتلة”، وتتلهّى بخلافات مكوّناتها، وتنوّع “أجنداتهم”.قد لا يكون دياب هو المسؤول عن فشل حكومته، التي بدت “مكبَّلة” لا بفعل “حصار دوليّ” لطالما شكا منه، بل “حصار داخليّ” مثّله بعض “شركائه” في الحكومة، ممّن يعرقلون اليوم تشكيل حكومة جديدة دون تحصيل “المكاسب”، لكنّ انتقاداتٍ بالجملة تُوجَّه له بأنّه لم يمارس الدور المطلوب منه، ما أدّى إلى “تعميق” الأزمة، التي لا يمكن أن تُحَلّ بـ”تفعيل” حكومة تصريف الأعمال، وفق ما يدعو البعض، لغاياتٍ معروفة.حتى لو صحّت فرضية “الحصار الخارجية” و”المؤامرة الدولية” التي يحلو للبعض اللجوء إليها كلما شعروا أنّهم “فقدوا السيطرة” على مجريات الأمور، فإنّ الأكيد أنّ “المصيبة” لم تحلّ على لبنان بسبب الخارج، وأنّ زيادة دعم هذا الخارج للبنان لن تأتي بـ”الفرج”، فالمصيبة، كلّ المصيبة، تبقى في أداء طاقم سياسيّ لا يزال مصرًّا حتى اليوم على “إنكار الواقع”، وما العجز عن تشكيل حكومة “إنقاذ” سوى الدليل الأكبر على ذلك!