فرنسا تدعو اللبنانيين للتمايز عن حزب الله

8 يوليو 2021
فرنسا تدعو اللبنانيين للتمايز عن حزب الله

كتب ابراهيم الامين في “الاخبار”: عودة مع ماكرون وفريقه الى لبنان. رجلان أساسيان يتولّيان الملف الى جانبه: السفير بون الذي خدم في لبنان مرات ومرات، والسفير الأسبق برنار إيمييه الذي يتولّى الاستخبارات الخارجية لفرنسا. الرجلان لديهما في لبنان ما يخصهما مباشرة. علاقات وطموحات وتصورات. لكن المشترك بينهما أمر في غاية الخطورة: عداوة مطلقة لسوريا بقيادة بشار الأسد، وعداوة محسوبة مع المقاومة بقيادة حزب الله. أما المعضلة التي يعانونها، فهي فريق الحلفاء أو اللاعبون اللبنانيون والسوريون معهم. في كل مرة، يخيب ظنّهم بسبب ضعف هذه الأدوات، وقصر نظرها وقلّة حيلتها واستعجالها، كما فسادها الذي لا يمكن كتمه أو تغطيته لوقت طويل, ومع ذلك، فإذا حاول مسؤول فرنسي، مرّ على جهاز أمني أو سفارة، أن يلفت الانتباه منتقداً، يسري عليه «الحرم» فوراً… انظروا إلى برونو فوشيه. الرجل يبدو معزولاً بلا عمل بعد مغادرته بيروت. وفي باريس اقتناع بأنه يخضع لعقاب، لأنه قدّم تصوراً لمعالجة الملف اللبناني يخالف توجّهات الثنائي بون ــــ إيمييه. وعقابه صار درساً تعلّمته السفيرة التي حلّت محلّه. هي سيدة نشطة، مثابرة، تهتمّ شخصياً بالعمل المباشر. تتابع الملفات، حتى إنها عرفت كيف توائم بين بريد الخارجية وبريد الإليزيه.

فرنسا التي تتولّى الآن دور المتحدّث الأول في الملف الداخلي اللبناني، تتصرّف كما لو أنها تملك من الأوراق ما يكفيها لكي تلاعب الجميع في لبنان. وهي تعتبر أنه بمجرد أن تكون على تواصل سياسي مع حزب الله، فهذا كاف لكي يقبل الحزب بتصوراتها. وثمة فوقية مقززة لدى الفرنسيين وهم يشيرون الى هذا الأمر على سبيل أنهم يمنحون المقاومة في لبنان بركة قبولهم التحدث معها، «بينما يرفض المجتمع الدولي ذلك». المشكلة هنا أن فرنسا لم تتعلم شيئاً لا من ماضي الاستعمار القديم ولا من محاولة إعادة الاستعمار المباشر قبل نحو أربعين سنة، ولا من كل ما مرّ عليها ومعها وبسببها في منطقتنا. فرنسا لا تزال فرنسا، بل هي من سيئ الى أسوأ.. ترى، هل يفكر الفرنسيون لحظة بأن المقاومة في لبنان هي من يمنحهم فرصة التحدث إليها، بينما يقف العالم كله طالباً التواصل؟

وخلال الشهرين الماضيين، عقدت السفيرة لقاءات في مقر السفارة، جمعت عدداً من ممثلي منظمات وجمعيات مدنية، من مختلف المناطق والطوائف، وقالت بحسم:
«لدى اللبنانيين اليوم خياران:
الأول: تأليف حكومة جديدة، من مستقلين لا تختارهم الأحزاب، وتكون لديهم القدرة والمسؤولية والإرادة الحرة لخوض معركة الإنقاذ من خلال الشروع الفوري في معركة محاربة الفساد، والعمل بالتعاون المباشر والوثيق مع المجتمع الدولي على إطلاق عملية إقصاء تدريجي وطوعي للفاسدين عن كل مواقع السلطة.
الثاني: الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة وقاسية مع المجتمع الدولي، ومع إرادة المجتمع الدولي، وبالتالي تحمّل النتائج من الحصار والعقوبات. وليكن معلوماً أن المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي ستضع لبنان أمام الانهيار الحتمي والنهائي».
لكن السفيرة تستدرك لتشرح أن الخيار الثاني ليس في مصلحة أحد، ولا يوجد في لبنان من يقدر على مواجهة المجتمع الدولي سوى حزب الله. هنا، تقرّ السفيرة بأن حزب الله قوي جداً، ولديه خبرة كما إيران على مواجهة العقوبات والحصار، لكن عليه أن يفهم بأن خيار المواجهة يضرّ كل اللبنانيين، وهذا ما يوجب على اللبنانيين إظهار التمايز الفعلي عن حزب الله وتحميله مسؤولية مواجهة المجتمع الدولي ونتائج هذه المواجهة.لقاءات السفيرة الفرنسية في بيروت لم تكن معزولة عن نشاط آخر بادرت السلطات الفرنسية الى القيام به في باريس. تعاونت وزارة الخارجية مع وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية ومراكز أبحاث على ترتيب مؤتمر لمناقشة الوضع في لبنان والمنطقة. ودعي إلى الاجتماع موظفون فرنسيون وشخصيات لبنانية حضرت إما بوصفها تحمل جنسية أخرى، أو أنها تمثّل مراكز أبحاث ومؤسسات غير لبنانية. لكن باريس اختارت شخصية لبنانية واحدة حضرت من بيروت. وتبيّن أن الشخصية الحاضرة هي المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد، ويبدو أن حضوره تمّ بتوصية من قائد الجيش العماد جوزف عون.أن الخلاصات التي يمكن الخروج منها بعد هذا اللقاء تفيد بالآتي:أولاً: إن فرنسا باتت كما بقية «المجتمع الدولي» على اقتناع تامّ بأن الطبقة السياسية الموجودة لم تعد مؤهّلة للاستمرار في الحكم، بمن فيهم الرئيس سعد الحريري، وأنه حان وقت التغيير الشامل. و«نحن ندعم تغييراً شاملاً، لكننا لا ندعم أن يحصل ذلك بالقوة لأنه لا يدوم، وقد يتسبّب بمشكلات كبيرة، بل نسعى إلى أن يتحقق من خلال تعزيز حضور ونشاط المجتمع المدني والجمعيات والشخصيات التي يمكن أن تشكل بديلاً حقيقياً من الموجودين حالياً. وفرنسا تتحدث باسم المجتمع الدولي عن الاستعداد للمساعدة على عقد تسويات تسمح بخروج هذه الطبقة السياسية من دون مواجهة. وهذه التسويات لا يمكن أن تكون بطريقة تُبقي الأمور على ما هي عليه اليوم».ثانياً: يعتقد الفرنسيون أن المشكلة في لبنان تتطلّب تغييراً شاملاً، وتحتاج الى حوار يقود الى عقد اجتماعي وسياسي جديد. ويجب أن يكون الأمر أساسياً لا أن يتمّ ربط التغيير بالانتخابات. وهم يُظهرون خشية كبيرة من كون الانتخابات في حال حصولها بصورة مبكرة أو في موعدها قد تعيد إنتاج الطبقة الحاكمة نفسها، وسيكون المجتمع الدولي ملزماً بالتعامل مع المجموعة نفسها لسنوات أربع جديدة. لذلك يجب البحث في آلية مختلفة لإدارة الانتقال السلمي الى سلطة جديدة.