“سابقة دبلوماسيّة”.. كيف تُفسَّر زيارة سفيرتي باريس وواشنطن إلى الرياض؟

8 يوليو 2021
“سابقة دبلوماسيّة”.. كيف تُفسَّر زيارة سفيرتي باريس وواشنطن إلى الرياض؟

هي خطوة غير مألوفة وسابقة دبلوماسيّة من نوعها. هكذا، وُصِفت زيارة السفيرتين الفرنسيّة والأميركيّة في بيروت، آن غريو، ودوروثي شيا، إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث تبحثان في اجتماعات مع المسؤولين السعوديّين “خطورة الأزمة في لبنان”، وتؤكّدان على أهمّية “المساعدة الإنسانيّة للشعب اللبنانيّ”.

 حفلت الزيارة قبل حصولها بأهمّية كبرى، ليس لأنّها تأتي بعد ساعات من “تصدّي” السفيرتين نفسيهما لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد مؤتمر “الشكوى” الذي عقده في السراي الحكوميّ، ولكن لأنّها بكلّ بساطة تُعتبَر “سابقة”، إذ لم يُرصَد “حراك” من هذا النوع لسفراء في السابق، رغم كلّ ما كان يُحكى عن “وصاية أجنبية” وغيرها.
 لهذه الأسباب ربما، أثارت الزيارة بعض “الجدل” في الأوساط اللبنانية، فخرج فريق من اللبنانيّين ليصوّب عليها، باعتبارها بمثابة “إعلان انتداب” و”تدخّل” في الشؤون الداخليّة، فيما اعتبر آخرون أنّ الظروف الاستثنائية لا تسمح بمثل هذا “الاستنتاج”، خصوصًا بعدما جمع دياب نفسه السفراء وممثلي الدول الأجنبية، وناشدهم بـ”التدخل” لدعم لبنان “قبل فوات الأوان”!

 
ملفّان أساسيّان على “أجندة” الزيارةمن يقرأ البيانين المنفصلين اللذين صدرا عن السفارتين الأميركية والفرنسية حول زيارة الدبلوماسيتين إلى الرياض، “يستنتج” أبرز الملفات المطروحة على جدول أعمال لقاءاتهما، وعلى رأسها ملفّ الحكومة المعلَّق، وهو ما برز جليًا في بيان السفارة الفرنسيّة الذي تحدّث صراحة عن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في العمل مع شركائهما الإقليميين والدوليين، للضغط على المسؤولين عن التعطيل.
 وفيما برزت إشارة السفارة الأميركية كذلك إلى التركيز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة، بدا أنّ الملفّ الأساسيّ الثاني على “أجندة” الزيارة، هو العمل على تأمين المزيد من المساعدات الإنسانية للشعب اللبنانيّ، إضافة إلى زيادة الدعم للجيش والقوى الأمنية، التي ستؤكد السفيرتان إصرار دولتيهما على مواصلة دعمهما بكلّ السّبل المُتاحة في ظلّ الظروف الحاليّة.
 وفي البيانين الفرنسي والأميركي إشارة واضحة ومعبّرة حول أنّ الزيارة إلى الرياض غير “معزولة” عن سياقها، ربطًا بتنسيق باريس وواشنطن حول الملفّ اللبنانيّ، وهي بهذا المعنى تأتي استكمالاً للاجتماع الثلاثي بشأن لبنان الذي عقد أخيرًا بين كلّ من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود.
 
زيارة تحمَّل أكثر ممّا تحتمل؟وإذا كان هذا الاجتماع الثلاثي أسَّس بشكلٍ أو بآخر لمرحلة جديدة على صعيد التعاطي مع الأزمة اللبنانيّة، فإنّ تكهّنات كثيرة تُثار حول الأهداف الحقيقيّة للزيارة والنتائج المرجوّة “واقعيًا” منها، علمًا أنّ الفرنسيّين لطالما سعوا إلى “اقتناص” دعم سعوديّ صريح لمبادرتهم في لبنان، من دون أن يحصلوا على مُرادهم، بفعل تمسّك المملكة بسياسة “التجاهل”، إن جاز التعبير، أقلّه بانتظار تشكيل الحكومة التي تتطلبها المرحلة، ليتمّ الحكم على الأداء بناءً عليها.
 ومع أنّ البعض ذهب بعيدًا في تفسير زيارة السفيرتين إلى الرياض، وهما الملمّتان بالشؤون والتفاصيل اللبنانية، لإعطائها أبعادًا ترتبط بمسار سعوديّ جديد، قد تبدأ ترجمته من خلال عودة السفير السعودي وليد بخاري اليوم إلى بيروت، ومن بوابة بكركي بالتحديد، يرى البعض الآخر أنّ الزيارة تحمَّل أكثر ممّا تحتمل، وأنّ “حدودها” قد لا تتخطّى مبدأ “التنسيق” بين الدول الثلاث المعنيّة بالشأن اللبنانيّ حول الواقع “الكارثيّ” الذي وصل إليه البلد.
 ويقول البعض إنّ “التنسيق” الأميركي الفرنسي السعودي قد ترتفع وتيرته في المرحلة المقبلة، لأنّ الدول الثلاث، وإن كانت متمسّكة بمبدأ أنّ “الكرة” في ملعب القادة اللبنانيّين، وبيدهم إما “إنقاذ” بلدهم أو أخذه إلى “جهنّم”، فهي تصرّ على منع وقوع “الانهيار التام”، الذي بدأت بوادره، ولذلك فإنّ البحث يتمّ بصورة جدّية حول خطوات منسَّقة، ولو محدودة، لضمان “صموده”، ولو بالحدّ الأدنى، من دون أن ينعكس ذلك بـ”انقلاب جذري” في الاستراتيجيّات.
في المبدأ، قد يكون مُستغرَبًا أن تتحرّك دبلوماسيّتان كما تفعل سفيرتا باريس وواشنطن، وأن تحظيا بلقاءات في الرياض لبحث أزمة لبنان، بغياب المسؤولين اللبنانيين أنفسهم. لكن، على أرض الواقع، وفي ظلّ الواقع “الدراماتيكي” الذي تشهده البلاد، يصبح مثل هذا التحرّك أمرًا بديهيًا، بل ربما مطلوبًا، طالما أنّ القادة اللبنانيين لا يقومون بما عليهم، بل يجاهرون بأنّ البلد أصبح تحت حكمهم، “على شفير الكارثة”!