كتبت راجانا حمية في “الأخبار”: يتلاعب مصرف لبنان بصحة السكان. تارة، يمنع عنهم حبة الدواء وتارة أخرى يلهيهم ببلاغاته الإعلامية التي لا تخرج من ثوب الوعود. آخر الأحجيات هو إبلاغ وزارة الصحة العامة بدء إصدار التحويلات المصرفية لشركات الأدوية، من دون تحديد ماهية تلك «الصرفيات». على الطرف الآخر من المعادلة، «تفلفش» وزارة الصحة العامة في استراتيجيات طارئة لحلحلة أزمة الدواء، من دون أن تملك مفتاح الحل، إذ إنها حتى اللحظة الراهنة تنتظر جواباً لن يأتي عن قيمة ما قد يرصد من أموال لدعم الدواء. 7 أشهرٍ من الجدل الذي لم يثمر سوى المزيد من الخطر على صحة السكان، سواء كانوا في البيوت أم في المستشفيات، وهم الذين باتت معظم أدويتهم اليوم مفقودة، إما بسبب سياسات الدعم الفاشل الذي يديره سلامة أو بسبب تخزين أصحاب مستودعات الدواء والمستوردين لأدوية أساسية للمتاجرة بها في مرحلة ما بعد رفع الدعم. أما الدولة، ممثلة بالوزارة، فارتضت أن تكون مجرد «وسيط» بين الحاكم والمحتكرين!
«بلاغ» مقتضب من عبارة واحدة، أعلم من خلاله حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وزير الصحة العامة، حمد حسن، بدء تسديد التحويلات المصرفية لشركات الأدوية. لم يقل الحاكم أكثر، ولكنه بذلك ترك الباب مشرّعاً أمام جملة تساؤلات لا تجد من يجيب عليها، إذ لا يوجد واحد من بين المعنيين بالدواء من فهم ما الذي يقصده الحاكم بتلك التحويلات؟ فهل هي تسديد لفواتير سابقة متراكمة؟ وهل ستشمل مبلغ الخمسين مليون دولار الذي نص عليه الاتفاق المبدئي الأخير بين الوزارة والمصرف؟ وإن كان التسديد يطال الفواتير السابقة، فهل ستصرف من المبلغ الذي قدره في بيانه الأخير بـ400 مليون دولار للدواء و«المستوردات الأخرى»؟
لا أحد – حرفياً – يدري حل تلك الأحجية سوى حاكم مصرف لبنان نفسه. فحتى نقابة مستوردي الأدوية لا تعرف الجواب سوى «أننا تبلغنا أن مصرف لبنان سيبدأ بدفع المستحقات ونستطيع التأكد من ذلك في الأيام المقبلة»، بحسب ما قال نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة. وهذا يعني، أنه حتى هذه اللحظات، لا تزال القصة أشبه بلعبة «القط والفار»، التي لا أحد قادر على حسمها سوى القابع في المركزي. وبحسب مصادر وزارة الصحة «الأمور إلى الآن على حالها، فعندما يقرر مصرف لبنان ما هو مرصود للدواء، عندها نستطيع أن نقدم فوراً الاستراتيجية الملائمة».
لا تزال الكرة في ملعب المركزي، وإن كان ذلك لا يعفي وزارة الصحة من مسؤولياتها وضياعها في تقدير الأدوية الأولوية، بما يخفف من الفقدان اليومي لعشرات الأنواع من الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إحدى الأدوية الأساسية التي يتناولها مرضى التصلب اللويحي والمفقودة اليوم من الصيدليات ومن مركز الكرنتينا التابع لوزارة الصحة. وهذا ليس خبراً جديداً، وإنما يمكن إضافته للائحة التي تمتلئ يوماً بعد آخر بأدوية مفقودة… فيما المتفرجون لا يحصون، بدءاً من مصرف لبنان مروراً بأصحاب مستودعات الدواء وصولاً إلى مستوردي الأدوية. الكل ضالع في صحة الناس.