كل عناصر الضعف والانقسام تحيط بملف تأليف الحكومة، فالمبادرات والمساعي لم تنجح في تحصين الرئيس المكلف سعد الحريري في وجه من يرغب او من يسعى لاستبعاده عن الرئاسة الثالثة، وهذا يعني أن الاعتذار لا يزال خيارا اساسيا في بيت الوسط سوف يستخدمه الرئيس الحريري في توقيت لا يشكل انتصارا لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الا اذا حصلت صدمة إيجابية لم تكن في الحسبان وطرأت إشارات ايجابية حكومية تبدو من سابع المستحيلات في ظل التصعيد الكبير وتصفية الحسابات القديمة – الجديدة بين القوى الأساسية، عطفا عن أن المتخاصمين يتطلعون إلى الاستحقاقات الاقليمية والدولية ليبنى عليها المقتضى.
ولأن التعويل والترقب المحلي يبقى دوما على الحراك الدولي تجاه لبنان، فإن بحث الازمة اللبنانية في الرياض أمس بين السفيرة الأميركية دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريو مع وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عيد بن محمد الثقفي، قوبل بترصد من بعض المكونات السياسية التي تنتظر فحوى اللقاءات والنتائج لا سيما في ما خص الأزمة الحكومية سواء لجهة تسهيل تأليف الحكومة أو الذهاب مجددا للبحث في ملف تكليف شخصية اخرى غير الرئيس الحريري، ويأتي ذلك على اعتبار أن السعودية لا تزال على موقفها الرافض لعودة الحريري إلى السراي، علما أن المقربين من عوكر يضعون الزيارة في خانة حض الرياض على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الامنية على وجه التحديد وتقديم المساعدات للشعب ، خاصة وأن لبنان مقبل على انتخابات نيابية قد تبدل في مشهد الأكثرية الراهنة، وبالتالي فإن التحفيز الأميركي للمسؤولين في المملكة تركز على وجه التحديد على ضرورة عدم التسليم بأن لبنان ورقة في يد إيران، والعمل على تقوية الجيش خاصة في ظل الوضع الراهن وما يعانيه من جراء الأزمة الاقتصادية والمعيشية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حزب الله يتطلع بحذر تجاه المساعدات الانسانية التي تقدم عبر جمعيات إلى الشعب اللبناني أو الى “نخب أقلوية”، ظناً منه أن ضخ هذه الأموال قبل عشرة أشهر من الاستحقاق الانتخابي النيابي، يراد منها محاربة الطبقة السياسية ذات الامتدادات الواسعة بحجة أنها اخفقت في تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد.
لا شك أن إجراء الانتخابات يتطلب، إما العمل على تفعيل حكومة تصريف الأعمال، أو ذهاب القوى السياسية مجتمعة إلى تأليف حكومة مصغرة تكون مهمتها محصورة بإجراء الانتخابات النيابية المرتقبة وتعمل قدر المستطاع للخروج من المأزق الراهن عبر إحياء التواصل مع المجتمع الدولي، وهذا الأمر يقود المتابعين إلى القول إن لا بوادر تفاهمات حيال الخيار الثاني على الإطلاق. ومرد ذلك أن شكل الحكومة ووظيفتها والبرنامج الذي ستؤلف على أساسه كل ذلك لن يتغير، وهذا يعني أن العقد التي وضعت أمام السفير مصطفى اديب وصولا إلى الرئيس الحريري لن تكون الشخصية الثالثة أيا تكن بمنأى عنها.
إن الرؤى الغربية إزاء الواقع الراهن تبدي قلقا من خطر الانهيار الاجتماعي في لبنان الذي من شأنه أن يدفع نحو الانزلاق في الفوضى الأمنية التي لن يستفيد منها إلا حزب الله، فهو المكون الأقوى في البلد والأكثر تنظيماً وبالتالي سوف يمسك بالبلد وبمفاصل الدولة الأساسية، وهذا الأمر لا يمكن أن “يبلعه” المجتمع الدولي الذي قرر عدم ترك لبنان “لـمصيره”.