إنّه “اليوم الحاسِم” الذي ضُرِب مطلع الأسبوع، ليُضاف إلى سلسلة المواعيد “الحاسمة” حكوميًّا، التي مرّت من دون أن ينتج عنها شيء، وثمّة توقعات بأن يلتحق هذا اليوم بها، نتيجة ظروف ومتغيّرات حملتها الأيام القليلة الماضية، قد تكون “الحركة الدولية” المرصودة على رأسها، حيث يسود “الترقب” لنتائجها المحتملة.
ولعلّ ما صدر عن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، عشيّة “اليوم الحاسم” المفترض، بدا أكثر من لافِت، بـ”وجدانيّته” المُبالَغ بها، حين نفى أن يكون اعتذار الحريري بمثابة “انتصار” له كما يروّج البعض، بل على العكس من ذلك، قال إنّ هذا الاعتذار “يُحزِننا جدًا”، في موقفٍ بدا “سرياليًا” إلى حدّ بعيد.
لكنّ هذا الكلام ترافق مع سلسلة تطورات أعادت “الحيويّة” إلى الملفّ اللبنانيّ في العواصم الدوليّة، على وقع استمرار “الكوارث” في الداخل، ومواصلة الدولار “تحليقه الجنونيّ”، وهو ما تجلّى خصوصًا عبر زيارة السفيرتين السفيرتين الفرنسيّة والأميركيّة في بيروت، آن غريو، ودوروثي شيا، إلى العاصمة السعودية الرياض، والتي تبدو “قِبلة الأنظار”.
حركة دوليّة لافتة
صحيحٌ أنّ البعض يرى أنّ هذه الزيارة تُحمَّل أكثر ممّا تحتمل، وقد لا ينتج عنها سوى “مبادرة إنسانيّة” بالحدّ الأقصى، في إطار “دعم الشعب اللبنانيّ”، استكمالاً للتنسيق الذي بدأ بين الولايات المتحدة وفرنسا والسعودي خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد أخيرًا بين كلّ من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيريه الفرنسي جان- إيف لودريان والسعودي فيصل بن فرحان.
لكنّ رصد هذه الحركة كان كافيًا لـ”تجميد” كلّ المحرّكات في الداخل، وترقّب ما يمكن أن تفرزه الزيارة، التي شكّلت “سابقة دبلوماسيّة” من نوعها، من نتائج، علمًا أنّ البعض قرأ فيها تعديلاً، ولو شكليًا، في السياسة والاستراتيجية السعودية إزاء لبنان، وهي القائمة على “التجاهل التام” منذ فترة طويلة، بانتظار تشكيل حكومة، يمكن بعد ذلك الحكم عليها سلبًا أم إيجابًا، والتعامل معها بالتالي بموجب هذا التقييم.
ولا تبدو هذه الزيارة معزولة في الزمان والمكان، ففي فرنسا لا يزال الملفّ اللبنانيّ حاضرًا، وقد عزّزته زيارة السفير الفرنسي المكلف تنسيق المساعدات الدولية في لبنان، بيار دوكان، فيما تتواصل متابعة لقاءات الفاتيكان الأخيرة، ويسود ترقب بانتظار اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المرتقب يوم الإثنين، وكلّها عوامل يبدو أنّ لها تأثيرها على الملفّ اللبنانيّ، حيث لا يزال القادة بانتظار “وساطة” الخارج، دون القيام بأيّ “مبادرة” مُجدية.
“تريّث” داخليّ
استنادًا إلى كلّ هذه المعطيات، توحي الأجواء أنّ “الحسم” الذي كان موعودًا اليوم لن يحدث، وأنّ “اعتذار” الحريري، الذي يقول البعض إنّه بات نهائيًا، فيما يصرّ آخرون من المقرّبين على الحريري على أنّه لم يُحسَم بعد، ولو كان ضمن الخيارات التي يدرسها الرجل، قد أرجئ مجدّدًا إلى موعدٍ قد لا يكون بعيدًا، وذلك بانتظار نضوج الصورة الآتية من الرياض وغيرها من العواصم، وتكشّف طبيعة المحادثات التي جرت في اليومين الماضيين.
وثمّة من يتحدّث عن “أبعاد” داخليّة لهذا “التريّث” قد يفسّره كلام باسيل عن “حزنه” في حال “اعتذار” الحريري، في موقفٍ شكّك البعض بجدّيته، لكنّ البعض الآخر قرأ فيه “امتعاضًا عونيًّا” ممّا يُحكى عن “السلة المتكاملة” التي سيفرضها سلفًا في حال اعتذار الحريري، حول “البديل” وكلّ ما يمتّ إليه بصلة، وهو ما يخشى “التيار الوطني الحر” أن يكون “مكبِّلاً” لهم، بحيث تنتفي “المصلحة” من اعتذار الحريري، الذي يريدون أن يكون “محرِّرًا” لهم، لا العكس.
وأبعد من ذلك، ثمّة من يقول إنّ الحريري نفسه “يتريّث”، لأنه بقدر حرصه على “صداقته” مع حليفه وصديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري، قد لا يكون ميّالاً إلى “التجاوب” بالكامل مع رغبته بالاتفاق سلفًا على البديل، لأنّه لا يريد أن يكرّر تجربة السفير مصطفى أديب التي لم يُكتَب لها النجاح، فضلاً عن كونه قد يجد مصلحته في الانتقال إلى صفوف المعارضة، لمواجهة “العهد”، وردّ الصاع صاعين له بعد تجربة التكليف “المَريرة”، إن جاز التعبير.
مجدّدًا، يلتقط القادة السياسيون “إشارات خارجيّة”، فيستنفرون لمواكبة زيارة من هنا، أو تصريح من هناك، و”يجمّدون” كلّ الخطط بانتظار تكشّف الصورة الكاملة. قد لا يكون ذلك خطأ بالمُطلَق، ولو أنّه يتكرّر للمرّة المئة، ومنذ أشهر طويلة، لكنّه يتحوّل إلى “خطيئة” عندما يأبى هؤلاء السياسيون أنفسهم التقاط “إشارات” الشعب الذي فقد كلّ قدرة على الصبر، فيما الأزمات تتفاقم أكثر وأكثر!