كتبت ميسم رزق في” الاخبار”: الذين اجتمعوا أمس في عين التينة “على المحقّق العدلي” في جريمة تفجير مرفأ بيروت، خلصوا إلى الآتي: “ما تقدّم به القاضي طارِق بيطار مِن حيثيات ليسَ كافياً لاستجابة مجلس النواب إلى طلبه رفع الحصانة عن الوزراء السابقين – النواب الحاليين: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق”. ما صدرَ بعدَ اجتماع الساعتين لم يحمل مفاجأة. أصلاً، لم يكُن مُنتظراً أن يُعطى لبيطار ما يُريده “مُعجّلاً مكرّراً”، رغم أن الجريمة تتقدم على كل ما عداها من ملفات “الضرورة”. ومهما علَت أصوات أهالي الضحايا الذين اعتصموا على مدخل “قصر عين التينة” ضد المتورطين وحُماتِهم، ثمّة تسليم بأن المعركة لم تعُد بينهم وبينَ هؤلاء. المعركة الأساسية في هذا الملف انتقلت إلى مكان آخر، الجنود الأضعف فيها هم ورثة الدم، ظاهرها دستوري وباطنها سياسي بين طرفين، لكل منهما خلفية تحرّكه (المجلس والقاضي). أما حصيلة الجولة الأولى بينهما، فهي «المزيد من مغمغمة الملف”.
كل النواب الممثّلين للكتل السياسية كانوا موافقين على أن “الأوراق الموجودة في عهدة المجلس لا يُمكن الاستناد إليها لبناء موقف قانوني”. باستثناء رأي ممثلي حزب القوات اللبنانية النائبين جورج عدوان وجورج عقيص اللذين حضرا الجلسة بـ”حكم مُسبَق”، على حد وصف بعض زملائهم، و«طالبوا برفع الحصانة بمعزل عن أي شيء، ومن ثم يُمكن للنواب تقديم الاعتراضات”، وهو موقف وضعه البعض في خانة “المزايدات الشعبوية ليسَ إلّا”، علماً بأنهما كانا مؤيدين لفكرة أن “المستندات ناقصة”. وكانَ عدوان وعقيص قد «اقترحا تقديم توصية برفع الحصانة، ومن ثم تُطلب المستندات الإضافية من القاضي”.
النواب الذين تحدثت إليهم “الأخبار” اشتكوا بأن “الكتب التي وصلتنا مرفقة بتقارير من الأمن العام والجمارك مبهمة»، لذا «نطالب بالمزيد من المستندات” وهذا حقنا بحسب ما تنص عليه المادة 91 من النظام الداخلي التي تقول بأن “طلب الإذن بالملاحقة يقدّمه وزير العدل مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز تشتمل على نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة»، في حين أن “كتب المحقق العدلي لا تتضمن كل ذلك»، بحسب ما ادعوا.
هذه أول مادة التجأ إليها المجتمعون لتأجيل بتّ طلب رفع الحصانة عن الوزراء السابقين. بل أكثر من ذلِك، اعتبروا أن هذه المعطيات “ليست كافية بتأليف لجنة تحقيق برلمانية تضع يدها على ملفّ التفجير قبل أن تحيل الادّعاءات بحقّ الوزراء المعنيّين في حال ثبوت تورّطهم”، وهي المادة التي تسلّحوا بها لتوضيح نقطة أساسية، ألا وهي “أن الهيئة ليست هي الجهة المخوّلة بإعطاء الإذن، وإنما على هيئة مكتب المجلس تقديم التقرير الى الهيئة العامة لمجلس النواب وهناك يعطى الإذن أو يُحجَب، وهذا التقرير يجب أن يكون مُحكماً بحسب ما تطلب المادة»، وبالتالي «الحديث عن رفضنا الطلب من عدمه كلام غير دقيق”.
كما أخذت المادة المتعلقة بأصول محاكمة الرؤساء والوزراء جزءاً كبيراً من النقاش وهي المادة 70 من الدستور التي تنصّ على صلاحيّة مجلس النواب باتهام رئیس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخیانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة علیهم”. حتى على هذه المادة فُتِح الجدال لأنّ “النصوص لم تحدّد ماهيّة الجرم للوزراء، إن كان إهمالاً وظيفياً أو غير ذلِك”، بينما اعترض البعض على قاعدة أن التحقيق “كان يجب أن يكون في الأساس في عهدة المجلس، وكان من المفترض تأليف لجنة برلمانية للتحقيق بدلاً من أن يكون بيد القضاء”. غيرَ أن كل هذه النقاشات لا تلغي حقيقة أن أهالي الضحايا يريدون مسؤولاً عن هذه الجريمة “ولا يمكن أن لا تكون الدولة مسؤولة” كما أشار النائب ألان عون مثلاً، الذي اعتبر أن “الحصانة هي فقط لحماية النواب في حال استهدافهم بسبب قناعاتهم السياسية وليس للتغطية على ارتكاباتهم”.