ذكرّتني زيارة السفيرتين الأميركية دورتي شيا والفرنسة آن غريو المعتمدتين في لبنان للمملكة العربية السعودية ببيت من قصيدة الشاعر خليل مطران “يوم قتل بزرجمهر، فجاء فيه: ما كانت الحسناء ترفع سترها… لو أنّ في هذي الجموع رجالا
فلو كان في لبنان مسؤولون “غير صوريين”، يقومون بواجباتهم وبما تمليه عليهم مسؤولياتهم الوطنية تجاه شعبهم الذي يعاني الأمرّين نتيجة الأزمات المالية والإقتصادية والمعيشية، لما كانت واشنطن وباريس مضّطرتين للقيام بهذه الخطوة بالتنسيق مع الرياض، وهي سابقة إيجابية في الحياة الديبلوماسية، نظرًا إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الدول الثلاث من مساعٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل خراب البصرة، وقبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع، بمن فيهم أهل السلطة الذين أوصلوا البلاد إلى قعر الهاوية.
فلو لم تجد كل من أميركا وفرنسا، بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، أنه لا بدّ من القيام بما يلزم من خطوات إنقاذية عاجلة وسريعة، لما كانتا إنتدبتا سفيرتيهما المعتمدتين في لبنان للقيام بمهمة هي فريدة من نوعها، وكأنهما أرادتا خرق الأعراف التقليدية والمتعارف عليها في العلاقات الديبلوماسية بين الدول، فرأتا ضرورة أن تقوم كل من السفيرتين بمهمة مزدوجة بإعتبارهما منتدبتين لمهمة تتجاوز صلاحياتهما المباشرة والمحصورة أساسًا بتمثيل بلديهما في لبنان، وذلك نظرًا إلى خطورة الوضع على الساحة اللبنانية، الذي لم يعد يحتمل التأجيل والتسويف والمكابرة، في الوقت الذي لا يزال فيه “أشباه المسؤولين” يتصرّفون وكأن البلاد تعيش في أفضل ظروفها، وهم أعجز من أن يقدّموا لهذا الشعب نقطة ماء واحدة يبّل بها ريقه، وهم يتناحرون ويتخانقون “على كشك الجيران”، وعلى جنس الوزراء وعلى الصلاحيات والمصالح وحقوق هذه الطائفة أو تلك الفئة.
ما قامت به واشنطن وباريس هو لتغطية تقصير المسؤولين اللبنانيين غير القادرين، على رغم الظروف الصعبة والمصيرية، على أن يتفقوا على تشكيل حكومة يرى فيها الجميع الباب الوحيد للخلاص، أو بداية الخلاص، وذلك نظرًا إلى ما يمكن أن تقوم به من إصلاحات مطلوبة من المجتمع الدولي كخطوة أولى لبدء إستعادة لبنان عافيته الطبيعية والإعتيادية.
وتحرك السفيرتين الأميركية والفرنسية جاء عقب الاجتماعات الثلاثية لكل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود التي عقدت في 29 حزيران الماضي، على هامش مؤتمر قمة مجموعة العشرين، في مدينة ماتيرا في إيطاليا.
وقد أكدت السفيرتان غريو وشيا على الحاجة الماسة إلى “حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات”، واشارتا إلى أن الحكومتين الفرنسية والأميركية، وكذلك شركاء آخرين يعتمدون التوجه نفسه، “يقومون بمواصلة تقديم المساعدة الطارئة إلى الشعب اللبناني بما في ذلك الدعم الصحي والتعليمي والغذائي”. وشددتا على “أن إجراءات ملموسة يتخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين”.
يذكر أن السفيرة الفرنسية، وفي لقاء حضره عدد من السفراء في السراي الحكومية بدعوة من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، كانت قد وجهّت إنتقادًا شديد اللهجة لحكومة دياب، وقالت: “هذا الانهيار نتيجة متعمدة لسوء الإدارة والتقاعس منذ سنوات، ليس نتيجة حصار خارجي، بل جميعكم تتحملون المسؤولية وكل الطبقة السياسية المتعاقبة منذ سنوات”.
وأضافت غريو: “اجتماع اليوم حزين وفي غير مكانه، لأن فرنسا وعدة دول شريكة ممثلة على هذه الطاولة لم تنتظر هذا النداء لمساعدة لبنان… في عام 2020 تم تقديم 100 مليون دولار من المساعدات المباشرة للشعب اللبناني.”
وتابعت: “أستطيع القول إننا نعمل مع عدد من الشركاء على تنظيم مؤتمر ثالث لدعم اللبنانيين، لأنه لا يجوز أن يكون الشعب رهينة الوضع الحالي”.
فلو كان “حديدان” بالميدان لما كان لبنان في حاجة إلى كل هذا التحرّك. أما يكون “حديدان” غائبًا عن السمع فإن أي مسعى خارجي لإنقاذ لبنان مطلوب الآن قبل الغد. وليخرس المتشدّقون والباحثون عبثًا عن مصالح أخرى ثبت أنها لا تشبه اللبنانيين التواقين إلى الحياة والحرية والديمقراطية الحقّة.