قبل أشهر كان حزب الله يسخر إلى حد ما من التحليلات التي تربط تعقيدات الملف الحكومي بالحسابات الإقليمية والدولية، ويجزم بأن العقد القائمة داخلية وقابلة للتذليل وتتصل بالصراع على الحصص والحسابات السياسية التي وحدها تقف عائقا أمام التأليف، وبالتالي ولا يجوز تحكيم التأخير بالتشكيل إلى التطورات على المستوى الخارج لأن لبنان ليس في سلم اولويات المجتمع الدولي الذي كان الحزب نفسه يتطلع الى تأليف حكومة من شأنها ان تعيد الثقة معه من اجل جلب الدعم الى لبنان، مسلما بكل الطروحات المتصلة بتركيبة الحكومة ووزرائها.
منذ أيام تبدل خطاب حزب الله وتغيرت نبرة مسؤوليه فذهب إلى تقديم معطيات وفرضيات تستوجب وفق مصادره، الانتباه والحذر، وكلها توصل إلى أن هناك حصارا أميركياً شديداً ينفذ على لبنان يساهم في المزيد من إرهاق البلد وانهياره بهدف فرض الوصاية الدولية عليه، وأن ما يقدم من مساعدات ليس لمعالجة الأزمة الإقتصادية المالية ولمؤازرة الشعب اللبناني، إنما للإستفادة مما يحصل لإحداث تغيير سياسي من خلال مسارٍ يتوّج بالانتخابات.
ويعتبر الحزب ان مسار الانهيار المالي يتحمل مسؤوليته الغرب وعلى وجه التحديد الادارة الاميركية وكل ذلك يتطلب مقاربة جديدة منه ومن حلفائه ترتكز على التعاون وإعادة تقويم خطاب المرحلة السابقة وصوغ خطاب جديد يحاكي المستجدات التي تنذر بالاخطر في ظل التحرك الغربي تحت عناوين مختلفة من بينها توصية لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي بإرسال قوات دولية الى لبنان بشكل طارئ تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدولي في سبيل تعزيز الأعمال الإنسانية ومساعدة اللبنانيين، ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية لحفظ الأمن والإستقرار، علما ان مصادر مطلعة تؤكد لـ”لبنان 24 ان علاقة حزب الله مع الفرنسيين لا تزال طبيعية ولن تسلك طريق القطيعة وان مسؤولا من الحزب شارك في الايام الماضية في احتفال اقيم في السفارة الفرنسية وكان ودوداً جدا مع الحاضرين، وان السفيرة الفرنسية التقت خلال الاسابيع الماضية خلال زيارتها الجنوب النائب حسن عز الدين في صور مؤكدة دور الحزب في بذل الجهود لتأليف الحكومة.حركة السفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آنا غريو تجاه المملكة، ولقاء السفارة السعودية اليوم الذي يجمع السفير السعودي وليد بخاري بغريو وشيا، عطفا على لقاء وزراء خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكن والفرنسي جان ايف لودريان والسعودي فيصل بن فرحان في روما عطفا على لقاء البابا فرنسيس ببلينكن، كل ذلك يؤكد ان الحل اللبناني خارج الحدود، ليس منذ الان انما منذ اطلاق الرئيس ايمانويل ماكرون مبادرته الفرنسية التي سلمت بها القوى الاساسية وعلى رأسها حزب الله، مرورا بصولات وجولات رؤساء الاحزاب والتكتلات النيابية على عواصم القرار ورسائلهم الى الدول المؤثرة، وصولاً الى زيارات الرئيس المكلف سعد الحريري الى بعض العواصم الغربية والعربية لاستطلاع ارائها تجاه الازمة ومحاولة ايجاد حل لمشكلته مع الرياض . الحريري سيحط في القاهرة خلال ساعات للبحث في مآل التكليف والتأليف لا سيما وان مصر لا تزال حتى الساعة متمسكة بمبادرة الرئيس نبيه بري وتدعو الى تأليف حكومة برئاسة الحريري الذي لا يزال في دائرة المراوحة من التأليف او الاعتذار.ورغم ان المسار الحكومي قد يتحدد هذا الاسبوع، فإن الاهتمام المحلي يكاد يكون في مكان آخر وتحديدا عند حزب الله الذي يتوجس من استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية ومن الارتطام المعيشي والامني حتى لو تشكلت حكومة، في ظل طموح بعض قوى الداخل الى التسليم باهمية وضع لبنان تحت الوصاية الدولية لانقاذه. في حين أن مصادر مقربة من الحزب تعتبر ان من شأن ذلك، لو حصل، أن يقلب الامور في البلد رأسا على عقب على الصعيدين الأمني والسياسي،لكنها في الوقت عينه تبدي اقتناعا أن ذلك صعب التحقق، فرغم كل الضائقة المالية التي تمر بها بيئة المقاومة اسوة بكل اللبنانيين، فإن ما يضمر للبنان عبر الاستحقاق الانتخابي لن يبصر النور، فالحزب لا يزال يراهن على شعبيته في شارعه الضيق والواسع ويراهن ايضا على قوة الاحزاب الحليفة له التي لم تخسر جماهيرها، وبالتالي فإنه لا يخشى الانتخابات بقدر ما يخشى محاولات جر اللبنانيين الى العنف من جراء الازمة الراهنة والحصار المالي الاميركي على البلد.