حسابات إسرائيل للانهيار اللبناني

14 يوليو 2021
حسابات إسرائيل للانهيار اللبناني

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742

كان لافتاً دخول رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت على خط الأزمة الداخلية اللبنانية الأحد الماضي، حيث أعلن “أن الدولة اللبنانية على حافة الانهيار مثلها مثل جميع الدول التي تستولي عليها إيران”، وقال إن “على اللبنانيين أن يفهموا أنهم يدفعون ثمناً باهظاً بسبب استيلاء إيران على دولتهم”.

بينت أكد أنه يتابع مع وزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين بني غانتس ويائير لبيد الأوضاع في لبنان عن كثب، وأن إسرائيل ستبقى على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ. وأشار إلى قيام الجيش الإسرائيلي السبت الماضي بإحباط محاولة تهريب 43 قطعة سلاح من لبنان بالقرب من قرية الغجر في منطقة الحدود مع لبنان.

كلام بينت التحريضي فصّله أكثر مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى في حديث خاص إلى موقع “واللا” الإسرائيلي، حيث حذر من أن الوضع المتفجر الذي وصل إليه لبنان قد يقرّب إسرائيل من المواجهة معه. وقال: “إن الانهيار الاقتصادي الشديد في لبنان والفراغ الحكومي الذي نشأ في الدولة يُدخلان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة استنفار. إن إيران و”حزب الله” يعملان على توسيع موطئ قدمهما في الدولة وحرب لبنان الثالثة هي مسألة وقت”.

هذا المسؤول أشار إلى أن “حزب الله قد بدأ في دعم المنتوجات الغذائية والوقود وفتح شبكة صراف آلي خاصة بأنصاره، في الوقت الذي ينهار فيه النظام المصرفي وترتفع أسعار الوقود بسبب النقص الحاد في السوق”.

واتهم المسؤول نفسه “حزب الله” باستمراره في تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية بصورة عامة، ومنشآت استراتيجية، مثل محطات الكهرباء والبنية التحتية للمياه ورموز حكومية إسرائيلية بشكل خاص، ومواصلة التسلّح بمنظومات جوية تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في المجال الجوي اللبناني والمنطقة، معتبراً “هذه القضية مقلقة جداً”.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي عرض قبل أسبوع “تقديم مساعدة إنسانية للشعب اللبناني بواسطة اليونيفيل” الأمر الذي أثار جدلاً بين الإسرائيليين، بين من مَن يؤيد ذلك لِما له “من أهمية إنسانية في التقليد اليهودي”، وبين من يعارضه بشدة بحجة أنه يجب عدم مساعدة الأعداء، أو بذريعة أن “حزب الله” ولبنان هما أمر واحد، وأي مساعدة للدولة اللبنانية ستقوّي في نهاية الأمر “حزب الله”.

بغض النظر عن صدق النوايا الإسرائيلية وجدية عرض المساعدة المعروضة على لبنان، إلا أن كل هذه التصريحات والنقاشات الإسرائيلية ينبغي أن تثير قلق اللبنانيين سلطة وشعباً وأحزاباً. فالكلام الإسرائيلي عن وصول لبنان إلى حافة الهاوية والخشية من تداعيات انهياره على إسرائيل واحتمال تفجير الجبهة اللبنانية معها كمحاولة للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي اللبناني، هو كلام وإن كان يتضمن التحريض والتهويل تارة والتحليل وتقدير الموقف والتحذير تارة أخرى، لكنه لا يبشّر بالخير.

لا نكشف جديداً إذا قلنا إن الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية والعسكرية مطلعة جيداً على التوجهات الأميركية والأوروبية تجاه لبنان وتقديرات الاستخبارات الغربية للأوضاع اللبنانية والسيناريوات المحتملة. وليس سراً أن إسرائيل هي التي حرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عام 2018 على الأقل، على معاقبة لبنان كله وليس فقط “حزب الله”، باعتبار أن لبنان كدولة متواطئ مع الحزب في مسألة الاحتفاظ بسلاحه وتطوير صواريخه وانتشاره السري على الحدود مع فلسطين المحتلة.

ولا شك أن المقاربة الإسرائيلية، التي تبنتها واشنطن، تقوم على تقدير أن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان سيحمل اللبنانيون مسؤوليته لـ”حزب الله” وحلفائه، ما سيفقده التأييد الشعبي بين جمهوره وفي الطوائف الأخرى، وخاصة الغطاء المسيحي.

لكن هناك تياراً في إسرائيل يعتقد، على غرار باحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أورنا مزراحي، بأن “ما هو أكثر أهمية اليوم في مواجهة انهيار لبنان هو إعادة تحديث السياسة الإسرائيلية تجاهه. فإسرائيل بحاجة إلى نظرة أوسع حيال مستقبل لبنان وفحص عميق لتأثير تداعيات انهيار الدولة اللبنانية في مصالح إسرائيل إزاء لبنان والمنطقة”.

وترى مزراحي أنه “يتعين على إسرائيل التوقف عن النظر إلى ما يحدث في لبنان من المنظور الضيق للتهديد الأمني من جانب “حزب الله”، وعليها فحص كيفية تقوية الأطراف الإيجابية الموالية للغرب في لبنان. صحيح أن “حزب الله” هو اليوم الطرف الأقوى في لبنان، عسكرياً وسياسياً، لكن ليس كل اللبنانيين من أنصاره، والأزمة القاسية التي تعانيها الدولة تسببت بصعود موجة الانتقادات للحزب: أفعاله داخل لبنان، ودوره في منع حل الأزمة السياسية وتدهور الاقتصاد اللبناني”.

ويحذر هذا التيار من أن “ادعاء أطراف في إسرائيل أن لبنان هو فعلاً دولة “حزب الله” يمكن أن يتحول إلى نبوءة قد تتحقق، وخصوصاً إذا قرر الحزب في الظروف الصعبة التي يمر بها السيطرة على لبنان بصورة مطلقة (الأمر الذي امتنع عن تنفيذه حتى الآن) وتحقيق رؤيا (السيد) حسن نصر الله بتحويل لبنان إلى دولة تابعة لإيران، وإلى جزء لا يتجزأ من المحور الشيعي الذي يحيط بإسرائيل”.

من هنا يخشى هذا الفريق الإسرائيلي أن على المجتمع الدولي “التجند لمساعدة لبنان لمنع سيطرة “حزب الله” وإيران سيطرة كاملة عليه، وفي السيناريو الأسوأ تحوُّل الدولة التي تقع على حدودنا الشمالية إلى دولة شيعية إسلامية أُخرى على غرار طهران”. ويذهب هؤلاء إلى أنه يتعين على إسرائيل “بلورة سياسة من شأنها أن تدعم موقتاً مصلحتين مركزيتين لا تتعارضان مع بعضهما البعض: المصلحة الأمنية في مواجهة تهديد “حزب الله” إلى جانب المصلحة في وجود دولة مجاورة مستقرة وموالية للغرب على حدودنا الشمالية. ولدى إسرائيل هامش واسع للعمل من أجل الدفع قدماً بهاتين المصلحتين إذا اختارت ذلك”.

وتخلص مزراحي إلى أنه “في إمكان إسرائيل مثلاً تحفيز شركائها الغربيين، في الأساس الولايات المتحدة وفرنسا اللتين لهما علاقة بمساعي مساعدة لبنان، وأصدقائها الجدد في الخليج، من أجل العمل على تقديم مساعدة فورية للشعب اللبناني. هذا في مقابل المسعى الإسرائيلي الدائم لإضعاف “حزب الله”، سواء في عملياته العسكرية أو في عمله السياسي”.

لكن هذا التوجه لا يزال ضعيفاً في مقابل الصقور في إسرائيل وواشنطن الذين يتبنون سياسة “أقصى ضغط” التي بدأ ترامب في تنفيذها مع إيران أولاً، عبر محاولة تصفير صادراتها النفطية وإفلاسها من العملات الصعبة، وهو ما نجح به بشكل كبير لكنه لم يشكل رافعة سياسية لإخضاع طهران لتغيير سياساتها النووية والإقليمية.

يبقى أن ننتظر نتيجة محادثات فيينا واحتمال العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ورفع معظم العقوبات الأميركية عن إيران، وربما يشملنا رفع العقوبات الضمنية عن لبنان.

المصدر لبنان الكبير