“لبنان في حاجة الى حكومة قادرة من أولى مهماتها إجراء الإصلاحات”. للوهلة الأولى إعتقدت أن الذي أدلى بهذا التصريح هو مواطن عادي بدرجة “كادح” وساعٍ وراء لقمة عيش عياله، وهو يطالب بحكومة “قادرة” لتلبي حاجات الناس.
لكن بعد البحث والتدقيق تبيّن لي أن هذا التصريح هو لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لدى إستقباله الوزير الفرنسي المكلف بالتجارة الخارجية فرانك ليستر.
تخيّلوا معي هذا السيناريو المضحك المبكي. رئيس البلاد يقول أن لبنان في حاجة إلى حكومة قادرة. فهل إنطلى هذا التصريح على الوزير الفرنسي؟ هل صدّق أن ما يسمعه صادر عن المسؤول الأول والأخير عن تشكيل الحكومة، ولو أراد ذلك لكان للبنان حكومة منذ تسعة اشهر ونيّف؟
الوزير نفسه الذي لم يصدّق ما يسمعه، وقد حاول أن يفرفك أذنيه جيدًا ليتأكد أن هذا الكلام هو لرئيس الجمهورية، هو نفسه كان قد أدلى بتصريح قبل أن يقصد القصر الجمهوري ولدى تفقدّه مرفأ بيروت، الذي لم يزره أي مسؤول منذ زمن طويل، قال فيه إن “فرنسا تحترم التزاماتها على عكس السلطة اللبنانية التي لم تلتزم الإصلاحات”. وقال: “لا يمكن الإستمرار هكذا في لبنان ، وستصدر عقوبات بحق المسؤولين الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، ورسالتنا اليوم هي لتأكيد دعمنا للبنانيين، ولتذكير المسؤولين بالوعود التي أطلقوها”.
أعتقد أن من سمع كلام الوزير الفرنسي من مستشاري رئيس الجمهورية نقله إليه وأملى عليه ما يجب التصريح به أمام الوزير الذي يلوّح بالعقوبات الأوروبية. وعندما يقول الأوروبيون إنهم سيفرضون عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة فهم يعنون بالطبع من بين الأشخاص المستهدفين فريق رئيس الجمهورية، وبالتحديد صهره النائب جبران باسيل، الذين يعتبرونه المعرقل الأول مع غيره بالطبع، لأن “الجريمة” مشتركة بين من يريد تمرير المرحلة وتقطيع الوقت، وبين من يريد أن تكون له كلمة الفصل في كل شاردة وواردة، بإستثناء هموم الناس بالطبع، لأن رئيس الجمهورية ليس “باش كاتب” وليس مجرد صورة معلقة على جدران الدوائر الرسمية. وهذه هي حجّة المقربين منه.
اليوم سيزور الرئيس سعد الحريري الرئيس ميشال عون، بعد قطيعة طويلة بين الرجلين، وبعد جولات من عرض العضلات وشدّ العصبيات واللعب على الوتر الذي يدغدغ المشاعر الشعبية والغرائزية لدى الطرفين. فماذا سيحمل في جعبته؟ وهل يُعتقد أن الضغط الفرنسي ومعه المصري قد يثمر توافقًا، ولو بالإكراه، بين الرجلين؟ وهل سيفعل التهديد بالعقوبات فعله، وينجح حيث فشلت أصوات المواطنين الذين أصبحت عيشتهم في “بلاد الأرز” عيشة ذلّ؟للمسؤولين “الصوريين” نكتفي بأن ننقل إليكم عيّنة من وجع الناس ومعاناتهم اليومية، ومما ستؤول إليه حالهم في حال إستمرّ سعر الدولار محلّقًا في العالي، وثمة كلام عن إرتفاع جنوني ومخيف في قابل الأيام.هل يعرف أولئك الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، والمسؤولية مشتركة بين الجميع، أن راتب الموظف الشهري لم يعد يكفيه لإطعام عائلته بما تيسّر لمدة أسبوع واحد؟هل يعرف هؤلاء المعرقلون أن الوضع آيل إلى الأسوأ، وهم عن شعبهم غافلون وغير مكترثين؟