تنبئ التحركات شبه اليومية لاهالي ضحايا وشهداء انفجار المرفأ، بأنهم لن يهدأوا قبل تحقيق العدالة لابنائهم، ولن يسكتوا على محاولات المنظومة طمس الحقيقة وعرقله مسارها.
منذ اصدار المحقق العدلي في “جريمة العصر” القاضي طارق البيطار لائحة استدعاءاته، الاسبوع الماضي، والاهالي يخرجون الى الشارع لرفع الصوت والتحذير من مغبة تجرّؤ السلطة على تمييع “العدالة”… امس، حملوا “النعوش” وتظاهروا امام منزل وزير الداخلية محمد فهمي الذي لم يعط بعد الاذن بالاستماع الى المدير العام للامن العام.
والاثنين، كان تحرّك مدني وحقوقيّ في آن، مشترك بين المجتمع المدني ونقابة المحامين شارك فيه ايضا محامون من العالم، دعما للقاضي بيطار وتنديدا بتهرّب الطبقة الحاكمة وعدم تجاوبها مع طلباته، وذلك بعد ان نظموا مسيرة سيارة السبت جالت على منازل المطلوب الاستماع اليهم.
هذه المعطيات والحدّة التي طبعت التظاهرة امام دارة فهمي مساء امس، تؤكدان ان ثمة غليانا شعبيا قويا، سينفجر بلا شك، قريبا وقريبا جدا (وليس ما جرى في قريطم امس الا عيّنة منه) وربما قبل الذكرى الاولى لأحد اكبر الانفجارات النووية عالميا، يضع المنظومة امام امتحان حقيقي، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
فاذا هي سوّلت لنفسها الذهاب ابعد في وضع العصي في دواليب القاضي بيطار، فإنها ستكون بنفسها تقود البلاد نحو منزلقات خطيرة، قد لا تحمد عقباها.
امس وعقب زيارته دار الفتوى، طمأن فهمي اللبنانيين الى “أن الوضع الأمني متماسك وممسوك، وهناك جهوزية تامة لضباط وعناصر القوى الأمنية اللبنانية رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها لمعالجة أي خلل قد يحصل في أي منطقة لبنانية”، مؤكدا “التعاون والتنسيق والتفاهم بين كل القوى العسكرية في المتابعة والاستنفار لتفادي ما يعكر صفو الأمن في البلاد”.
وجدد فهمي تأكيده انه “تحت سقف القانون الذي هو الحكم في أي أمر”، معتبرا ان “تجاوز القانون لا يخدم العدالة، وكل ما يقال عكس ذلك هو افتراء ولا يؤثر علي ولا على قناعاتي ومبادئي الوطنية”، مشددا على أن “قضية التحقيق في انفجار بيروت تعني جميع اللبنانيين”، مبديا تعاطفه وتعاونه مع أهالي شهداء الانفجار “ضمن ما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء في دولة المؤسسات التي تحترم وتطبق القانون الذي يحفظ حقوق جميع اللبنانيين”.
التعاطف لا يكفي، تتابع المصادر، والتلطي خلف القوانين، هذه المرة في غير مكانه.
فأين كان القانون والدستور والحقوق عندما أدخل النيترات الى المرفأ وتم تخزينه في قلب العاصمة بين اهلها وعمّالها واطفالها وشبابها وشيبها؟ واين كانت عندما عطّلت الاستحقاقات الدستورية لاشهر وسنوات وعندما سلبت ولا تزال اموال اللبنانيين وتبخّرت؟! والسبحة تطول.
امام هول الكارثة وحجمها، وامام الدمار الذي قتل بيروت وشعبها وآمالهم، بلحظات، وسوّاهم ارضا، بعد ان كان معظم اهل الحكم، يعلمون بوجود الامونيوم في المرفأ ولم يحرّكوا ساكنا لإزالة القنبلة الموقوتة هذه، يمكن ان نقول بضمير مرتاح، تتابع المصادر، إن حتى القوانين يجوز تجاوزها (هذا اذا سلّمنا جدلا ان اختباء الجهات المعنية بالتحقيق، خلفها، في مكانه) ، والحصانات كلّها، من رأس الهرم الى أسفله، تسقط وتُدفن، تماما كما دفنت 200 حياة في 4 آب المشؤوم …
في الساعات الماضية، افيد ان المحقّق العدلي احال الى المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري المستندات والبراهين المتعلقة بمدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم بناء على طلب النيابة العامة التمييزية للبت بطلب اذن ملاحقته.
اما الادلة التي طالبه بها مجلس النواب، فأعلن بيطار انه لن يقدّمها وانه سيكتفي بالمستندات التي ربطها بطلب رفع الحصانات عن النواب.
فهل تفهم المنظومة القضائية والامنية والسياسية، موقف بيطار كما يجب، بما يحمله من اصرار على الذهاب حتى النهاية في التحقيقات؟ وهل تفهم ايضا التحذيرات المُرسلة اليها من الشارع وغضب الناس، فتتخذ القرار الصائب الذي يسمح بكشف الحقيقة والمحاسبة ويضمن الاستقرار، ام تستمر في اللعب على حافة الهاوية وفي استفزاز الشعب المقهور دافعة اياه الى اخذ حقّه بيده؟!