هل تنتهي مجزرة السدود من “جنّة”؟

14 يوليو 2021
هل تنتهي مجزرة السدود من “جنّة”؟

كتب طوني كرم في صحيفة “نداء الوطن” أراضٍ إستملكت، أشجار قُطعت، جبال شوِّهت، دهاليز حُفرت، دراسات رُميَت، ملايين هُدرت من أجل إنشاء سدٍّ قيل فيه أنه أكبر مشروع إنمائي تنفذه الدولة قبل أن يطيح الإنهيار المالي بميزانيّته ويحوّل “جنّة قرطبا” موقع السدّ إلى لوحة طبيعيّة من الدمار لأجلٍ غير مسمّى… فهل من يبادر إلى “إنقاذ” المشروع أو الحدّ من الخسائر التي تسبب بها في ظل تقاعس المسؤولين عن الإهتمام بالبشر قبل الطلب منهم الإهتمام بالحجر؟ 
مخاض عسير استغرقه مشروع إنشاء سدّ جنّة الذي وُضعت دراسته الأولية في العام 1945، ليسلك دهاليز التنفيذ في العام 2013 من ضمن منظومة السدود الثمانية التي أطلقها الوزير جبران باسيل في نيسان 2009، إلى جانب بسري وبقعاتا والمسيلحة وبلعا واليمونة والعاصي والقيسماني، على أن يؤمن السدّ ما يقارب 38 مليون متر مكعب من مياه الشفّة والري لبيروت وجبل لبنان، بكلفة إجماليّة تقارب 315 مليون دولار أميركي (لإنشاء السدّ)، وسط تضارب في التقارير العلميّة والبيئية المشجعة والمحذرة من المشروع، والتي أخذت سريعاً منعطفاً سياسياً أخرجت النقاش عن مساره السليم ليدخل في سياق التجاذبات السياسيّة والطائفيّة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، تمكن يومها الوزير جبران باسيل من كسب جولة في الصراع، ونقل ملف السدّ من مديرية الموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة عام 2008 إلى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان مخالفاً المادة 282 من قانون المياه وقانون انشاء وزارة الطاقة، ويعهد إلى المؤسسة تمويل السدّ من الإحتياطي الخاص بها بحجة تأمين المياه للعاصمة وبعض مناطق جبل لبنان بعيداً عن محاولة الحصول على قرضٍ دولي، متحرراً بذلك من المرور عبر مجلس الإنماء والإعمار الذراع الإنمائي لرئاسة الحكومة، والجهات الرقابيّة الأخرى.

وتابع: التقارير العلميّة حذرت من طبيعة الصخور الكارستيّة التي تؤدي إلى تسرّب المياه، لكن المفارقة أنّ حجم التسربات الباطنيّة تحدُّ من قدرة الشركة على تثبيت الركائز الأوليّة للبدء في مرحلة تشييد الحائط الذي كان متوقعاً الإنتهاء منه في العام 2019، قبل أن يجتاح وباء كورونا العالم ويعصف الإنهيار المالي في لبنان، فيطيحان بما تبقى من آمال على إتمام المشروع الممول بالعملة الوطنيّة، لتنضم المشاريع الإنمائية التي تنفذها المؤسسات الرسميّة ومنها سدّ جنّة، إلى لائحة الإنهيارات التي تشهدها القطاعات الإستشفائية والسياحيّة والصناعيّة والتربوية…
وأضاف: وفي متابعة لمسار الأعمال في موقع السدّ، أكّد المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المهندس جان جبران، عدم توقف المشروع، مشيراً إلى أن التحديات التي يواجهونها لا تقتصر فقط على إتمام الأعمال في سدّ جنّة، إنما على كافة المشاريع التي تقوم بها المؤسسة كون المتعهدين يجدون صعوبة في إكمال المشاريع والتعهدات الممولة بالعملة الوطنيّة، مؤكداً في الوقت نفسه قيامه بكافة الإتصالات مع المعنيين من أجل تأمين المداخيل الضرورية لصمود المؤسسة وإتمام المشاريع التي تقوم بها في هذه الظروف الصعبة التي لا تستثني أحداً، وعن التحديات التي تواجه استكمال تنفيذ مشروع السدّ، أشار إلى أنها كانت محور اللقاء الذي حصل في بعبدا في 8 حزيران، في حضور وزير الطاقة ريمون غجر ووفد من لجنة متابعة تنفيذ السدّ، عرض خلاله المجتمعون الصعوبات التي تواجه استكمال تنفيذ المشروع من مختلف النواحي.

وأمام هذا الواقع، وفي ظل إستعصاء الحلول السياسيّة الماليّة المطلوبة في الأمد القريب، هل ستقاضي الجهة المتعهدة تنفيذ المشروع الدولة اللبنانيّة وإلزامها على دفع الملايين لتلكؤها عن الإيفاء بإلتزاماتها مع الشركة المتعهدة؟ التأخير الإداري كلفّ المؤسسة التعويض للشركة البرازيليّة المتعهدة وشركائها المحليّين ما يفوق الـ 10 ملايين دولار، وثمة ملف تحقيق داخلي في وزارة الطاقة وآخر بين يدي المدعي العام المالي علي ابراهيم الذي استدعى جان جبران إلى التحقيق، عدا التعويضات فكم من الملايين ستدفع عند فسخ العقد؟وهل يبادر المعنيون إلى إبعاد الخلافات السلطوية والبحث جدياً في وضع حدّ “للمجزرة” البيئية التي قضت على منطقة وادي جنّة وتحرير المشروع من دهاليز السياسة والتنفيعات وإستصلاح ما تدمّر عبر إنشاء “سدّ سياحي” لا يتعدى إرتفاعه بضعة أمتار يضع حدّاً للخسائر الماديّة بعد أن أثبتت السدود الأخرى عدم قدرتها على تخزين المياه بسبب طبيعة الصخور في جبل لبنان، وإعادة إحياء المنطقة وإستثمار الأراضي المستملكة لصالح السدّ من أجل إستقطاب المشاريع الزراعيّة والسياحيّة والإنمائية وتحويل إراداتهم لما يخدم إستمرارية عمل المؤسسة عبر تأمين المياه من مصادر أخرى، أم أنّ “الكيديات” السياسيّة ستكرس مقولة “جهنّم السدود”؟.