أما وقد اعتذر الرئيس سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة، فماذا؟ بعد وإلى أين ستسير البلاد؟ ثمة سيناريوهات عديدة يتم التداول بها في أوساط المعنيين.
السيناريو الأمثل هو أن يسمي الحريري مرشحا يوافق عليه رؤساء الحكومات السابقون وتؤيده المملكة العربية السعودية. هذا السيناريو يبدو مستبعدا أو على الأقل لا تبدو ظروفه ناضجة حتى اللحظة ويواجه عقدا ثلاث: أولها أن الحريري ليس مضطرا أن يتوج اعتذاره بتعبيد الطريق أمام أية شخصية أخرى تخرج العهد من مأزقه. ثانيها موقف رؤساء الحكومات السابقين الذي ينم عن انزعاج شديد من العهد وأدائه. ثالثها وهي الأكثر تعقيدا وتتمثل بالموقف السعودي الذي لا يزال لغاية اللحظة متشددا بشروطه تجاه تشكيل الحكومة ليس فقط مع الرئيس الحريري إنما أيضا مع أي شخصية سنية بديلة.
السيناريو الثاني يشير إلى اتفاق أغلبية فريق 8اذار وحلفائهم على مرشح يشبه إلى حدود كبيرة خيار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. هذا السيناريو لا يحتاج إلى كثير تأمل كي يقال إنه سيناريو كارثي بكل ما للكلمة من معنى ، لأنه سيعكس عجزا مطلقا عن إحداث أي خرق في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية.
السيناريو الثالث يتمثل بالعودة الى الحريري مجددا من خلال نيله أغلبية التسمية من قبل النواب، وهذا الخيار سيكون أقرب إلى “مزحة سمجة”، في وجه سيد العهد.
إن الحريري الذي أعلن اعتذاره يوم أمس من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يتمكن من الانتظار للاتفاق على بديل وفق ما كان يتمنى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفي الأمر ما يشبه استقالته في العام 2019، حيث دخلت البلد يومذاك في المجهول الحكومي، والان يبدو ان المشهد مشابه من حيث غموض المسار الحكومي، علما أن الحريري الذي شكر رئيس المجلس اكثر من مرة على دوره ومبادرته، بدا مزعوجا اسوة بالفرنسيين والرأي العام، من حزب الله لأنه لم يمارس نفوذه كفاية على التيار الوطني الحر.
إذا ما اخد بعين الاعتبار ما اعلنه الحريري في مقابلته التلفزيونية مساء امس عبر” الجديد”، عندما ألمح إلى عدم مشاركة كتلته في الاستشارات النيابية الملزمة التي سيدعو اليها الرئيس عون، فإن ذلك يعني اعتراضا ميثاقيا سنيا ، أو انه على الأقل سيصيب نتائج الاستشارات الملزمة بالعطب والهزال مما يجعلها خالية من أي قيمة فعلية. وكل ذلك ينسجم مع سيناريو تحويل الفراغ إلى تمهيد لأم المعارك الانتخابية النيابية التي سيشهدها البلد العام المقبل.
أغلب الظن أن الرئيس الحريري نام ليلة الأمس متخففا من عبء مرحلة شديدة الخطورة بما يتيح له توظيف اعتذاره والانصراف إلى لملمة قواعده الحزبية ومعالجة مشاكله المتراكمة مع بيئته الشعبية. اما رئيس الجمهورية فعلى الأرجح نام مشغول البال، لأن خروج الحريري ،وإن مثل من الناحية الشكلية تنفيذا لمعادلة رئاسية سادت بقوة بعد استقالة الحريري في 2019″اما الحريري وباسيل معا في الحكومة أو معا خارجها”، فإن كل ما جرى سيزيد العبء عليه ويسلط الضوء أكثر فأكثر، وفق خصومه، على مسؤوليته ودوره في وصول البلد إلى ما وصل إليه .
في المحصلة، يبدو أن الحاجة ستبرز في الاسابيع المقبلة لتعويم حكومة الرئيس دياب المنكفئة والمترددة، وإلى تركيز الدول الكبرى وحلفائها جهدها على عمليات الإغاثة والدعم الانسانيين وإلى انصراف القوى المحلية الداخلية لاطلاق ماكيناتها الانتخابية تمهيدا لاستحقاق ايار 2022.