سواء إستطاع رئيس الجمهورية الدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة عاجلة لتسمية الرئيس الذي ستسند إليه مهمة تشكيل حكومة جديدة بعد إعتذار الرئيس سعد الحريري، أم لم يستطع، وسواء إستطاع الأفرقاء السياسيون على التوافق على اسم جديد خلفًا للحريري أم لم يستطعوا إلى ذلك سبيلًا، فإن لا شيء يمكن أن يلجم “جنون الدولار”، الذي يبدو أن وراء أكمة هذا الجنون ما وراءها من خفايا ومؤامرات على الشعب، الذي فقد أدنى مقومات العيش العادي، ولا نجسر على القول “العيش الكريم”.
الذين تتبعّوا خارطة طريق “جنون الدولار” منذ سنة حتى اليوم يلاحظون أن ثمة خطّة متبعة من قبل بعض “المافيات” التي لا تزال مجهولة، أقّله بالنسبة إلى المواطن، الذي “يأكل العصي” كل يوم، و”القاعد على أعصابو” مع كل نشرة عن أسعار الدولار وتهاوي سعر صرف الليرة، التي لم يعد أحد يحسب لها أي حساب، بعدما “مسحّوا” الأرض فيها، وفي طليعة هؤلاء هم المسؤولون الكبار، الذين يبدو أنهم مستفيدون من هذا الوضع بإعتبار أن رصيدهم المهرّب إلى الخارج كله بالدولار.
ووفقًا لهذه الخطّة “الجهنمية”، ما دمنا نعيش في قلب “جهنم”، فإن إرتفاع سعر الدولار في الأسواق الموازية يتماشى مع نظرية لا عودة إلى الوراء. فعندما وصل سعر الدولار إلى حدود الخمسة الآف ليرة تمّ تحديد سعره الرسمي على منصة الصيرفة 3900 ليرة، بعدما كان 1500 ليرة. ومنذ ذلك الوقت تُعتمد طريقة “تبليع المنجل” للبنانيين الذين باتوا معتادين على أن يستفيقوا كل يوم على “طلعة” الدولار، مع ما يترافق ذلك من “هزّات البدن”، على رغم عدم توافر “الحبات” التي توضع تحت اللسان.
وكلما إرتفع سعر الدولار، ومعه تحّلق اسعار السلع الإستهلاكية وأسعار الدواء والمحروقات ومؤثراتها، يتمنى اللبناني ان يعود إلى السعر الذي كان عليه قبل يوم، وهكذا دواليك صعودًا، وقد بات من دون سقف في غياب التوافق السياسي على تشكيل حكومة لا يختلف إثنان عاقلان على أنها خطوة أولى في مسيرة الألف ميل لإستعادة لبنان عافيته، وهي لا بدّ آتية بعد طول معاناة وعذاب، إذ لا شيء يدوم في النهاية، وأن لكل نهاية بداية. ولكن المهم أن تكون لدى مسؤولينا “الصوريين” الجرأة بالإعتراف بأنهم ليسوا اذكى من غيرهم، وأنهم أخطأوا في التقدير والتدبير معًا.
يقول بعض الخبراء الماليين إن لجم “جنون” الدولار عملية معقدّة وطويلة، وهي لا تتمّ بين ليلة وضحاها، أو بمجرد التمني، وهذا ما يفعله المسؤولون “الصوريون”، بل يقتضي ذلك خطة ممنهجة ومبرمجة وفق أسس علمية وسليمة، تبدأ بتوافق سياسي على تشكيل حكومة تكون مهمتها الأساسية وربما الوحيدة إجراء إصلاحات مطلوبة دوليًا، تليها خطوة ثانية لا بدّ منها، وهي التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول المساعدات التي يمكن أن تُقدّم إلى لبنان، والتي من شأنها وحدها أن تعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم أولًا، وثقة العالم بها ثانيًا، وبالتالي إعادة تحريك العجلة الإقتصادية عبر مشاريع إنمائية ومساهمات جدّية من قبل المستثمرين اللبنانيين والمغتربين والأجانب، وبالتوازي التشديد على دور القوى الأمنية والجيش في الحفاظ على السلم الأهلي وإجلاء خيوط الحقيقة في جريمة مرفأ بيروت، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لجريمة العصر، والتمهيد لإنتخابات نيابية في ربيع السنة المقبلة.