في قراءة أوّلية لما طفا على سطح مشهد الحكومة الضائعة امس، يتهيّأ للناظر ان الصراع بين العهد اي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، من جهة، والرئيس سعد الحريري من جهة ثانية، هو ما اطاح جهود التشكيل ودفع بالاخير الى الاعتذار.
لكن في الواقع، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، إذا محّصنا في الصورة وخلفياتها، ودققنا اكثر في تفاصيلها، سيتبيّن لنا ان صمت حزب الله كان له الدور الاكبر في جرّ سيّد بيت الوسط الى قرار الانكفاء.
الرئيس الذي كان مكلّفا حتى الرابعة والنصف من بعد ظهر امس، بقّ البحصة في اطلالته التلفزيونية مساء. صحيح صوّب جلّ غضبه على العهد وشروطه، الا انه لم يكن اكثر لطافة مع حزب الله.
فهو اتّهمه بعدم القيام بما يجب وبعدم بذل الجهود الكافية لتسهيل ولادة الحكومة، اي انه حمّله ايضا مسؤوليةً في الوصول الى الاعتذار، محيّدا في المقابل الرئيس نبيه بري عن حملته هذه، كونه وقف الى جانبه فعلا في مساعيه لتأليف حكومة.
ومع ان حقيقة موقف بري لن يعرفها احد بعد ان استقال الحريري، لكن غالبا ما يكون ما يفعله منسقا سلفا من الضاحية، تشير المصادر الى ان في وقوف الحزب وقفة المتفرّج على المجريات السلبية فوق المسرح الحكومي، يكمن لبّ الازمة الحكومية وجوهرها.
أما شروط العهد وباسيل وطلباته (…) فكلّها تفاصيل كان يمكن تخطّيها ووضع حد لها لو اراد الحزب فعلا الذهاب نحو تأليف حكومة.
هو لم يرد ذلك على ما تبيّن، وفي حسابات الضاحية يبدو ان ساعة التشكيل لم تدقّ بعد، سيما وأنها مضبوطة على التوقيت الايراني.
والجدير ذكره، دائما وفق المصادر، أن الحزب كان تحرّك حكوميا، في “الشكل” في الاسابيع الماضية، قبل ان يخفف من وتيرة اتصالاته منذ ايام، لأنه رأى ان كل الجهود الدبلوماسية التي تبذل، من باريس الى واشنطن، مرورا بالفاتيكان، وصولا الى القاهرة والرياض، هدفها تشكيل حكومة تتلاقى بقوّة مع متطلبات المجتمع الدولي وشروطه لمساعدة لبنان.
فكيف له ان يوافق على اعطاء الغرب والعرب والخليجيين، حكومة كهذه، الآن، بينما ايران في مرحلة ترقّب وتريّث، منتظرة تسلّم الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي مقاليد الحكم في الجمهورية الاسلامية.
فحتى ذلك التاريخ، وحتى انطلاق مسار المفاوضات النووية في فيينا من جديد، بين طهران وواشنطن، بوساطة الروس والاوروبيين، (الامر الذي يحتاج اسابيع)، وقبل تبيان ما ستنتهي اليه هذه المحادثات (الامر الذي يحتاج اشهرا)، لن تتخلى الجمهورية الاسلامية عن اي من اوراقها، لا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا، ولا في لبنان حيث الحكومة العتيدة الاسيرة، من عدّة التفاوض الايراني.
ارادة طهران، انتصرت مجددا في بيروت، حيث للحزب اكثرية حاكمة ورئيسُ جمهورية حليف، وغلبت ليس فقط جهود المجتمع الدولي برمّته لفك اسر الحكومة، بل انتصرت ايضا على الشعب اللبناني المسكين والجائع والفقير والذليل.. كان الله في عونه، تختم المصادر.