أصبح اللبناني يعيش في المجهول “كل ساعة بساعتها” اذ لا يعرف ما ينتظره بسبب تسارع وتيرة الأحداث. ننام على مصيبة ونستفيق على أخرى أسوأ منها، والأبشع من ذلك أن بعض اللبنانيين للأسف تعوّدوا وبدأوا يتأقلمون مع الواقع البائس الذي فرض عليهم، لأن لا حول لهم ولا قوة.
المشاهد والحوادث المستفزة التي نشاهدها ونسمعها يومياً عن معاناة الناس تخلق في أعماقنا نفوراً وقرفاً لم يشعر به أهلنا “أيام الحرب”، فيومها كان الوضع أفضل على ما ينقلون. على الأقل، كان الدواء متوفراً، والبنزين، والحليب، والخبز، وحتى المستشفيات كانت تستقبل المرضى.
أمّا اليوم، فطوابير الذلّ تنتشر في كلّ مكان وعلى كل الأصعدة، اللبناني يشحد حقوقه الطبيعية. حتى المرض أصبح من المصائب التي من الأفضل السعي الى تجنبه والدعاء الى الله ان يبعد عنا كأسه ، كما ان دخول المستشفى بات “امتيازا” بعيدا كل البعد عن الشعب العادي. في ما يلي قصص شاهدة على ذلك.
أصيبت “هيام” بكورونا رغم أنها اخذت اللقاح واشتدّ عليها المرض فطلب الطبيب من عائلتها إدخالها المستشفى بطريقة مستعجلة. اتصلت شقيقة “هيام” بإحدى المستشفيات الجامعية المرموقة في بيروت لحجز سرير، فطُلب منها “قبل كلّ شيء” تأمين مبلغ 40 مليون ليرة لبنانية لإدخالها الى المستشفى، وهذا مبلغ يتّم تحصيل 90٪ منه من الضمان لاحقاً.
لكن حين علم المسؤولون عن إجراءات الدخول أنّ ضمانها “اختياري”، غيروا رأيهم وأخبروها أنّ “لا أماكن شاغرة في المستشفى”، رافضين استقبالها لأن طبيبها ليس متعاقداً مع المستشفى وبالتالي لا تستطيع أن “تدخل على اسمه”.
والحجة الثانية كانت أن “هيام” لم تدفع آخر فصل من الضمان الاختياري، وقيمته 270000 ليرة، ورغم تأكيد الشقيقة أنها ستدفعه وأنّها ستعطيهم الـ40 مليون ليرة لبنانية لم يقبلوا.
وبينما كانت صحة “هيام” تسوء، كان البحث جارٍ عن مستشفى آخر يستقبلها.
وتحقق الأمر بإدخالها الى مستشفى كبير في بيروت بـ”الواسطة”، اذ تقول شقيقة هيام لـ”لبنان 24″: “لو لم نكن نعرف شخصا هناك لما استطعنا تأمين سرير لشقيقتي، ولكان عذابها قد استمّر”.
وتضيف: “لو عرضنا دفع المستحقات cash من دون ضمان لكانوا استقبلونا بكل سرور.. الله يساعد العالم”. هذا وطلب المستشفى مبلغ 10 ملايين ليرة لإدخالها، ولم يعترض على الضمان الاختياري، ولا على عدم دفعها لآخر فصل منه. قصة أخرى تُعرّي النظام الصحي الاستشفائي، وتختصر المعاناة مع المستشفيات. تخبر “بيرلا” “لبنان 24” أنّها دخلت الى مستشفى معروف في الحازمية لإجراء عملية جراحية. طلب المستشفى منها 25 مليون ليرة وهي كلفة العملية. لكن المفاجأة كانت مباشرة قبل دخول “بيرلا” الى غرفة العمليات، حيث طُلب منها تأمين مبلغ 8 مليون ليرة لكلّ طبيب مشارك في العملية والاّ فلن تخضع لها. كما طلب المستشفى من المريضة دفع تكاليف سحب الدمّ للأشخاص الذين أمنوا لها الدم قبل العملية. هذه ليست الاّ عينّة صغيرة عما ستواجهونه عند حاجتكم إلى دخول المستشفى.. فلا تمرضوا!