كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: بعد إعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، والارتفاع الهستيري لسعر صرف الدولار الأميركي الذي تجاوز عتبة الـ 23 ألف ليرة، حبس الطرابلسيون أنفاسهم بإنتظار التحركات الشعبية الغاضبة التي كان من المفترض أن تجتاح كل ساحات وشوارع المدينة إستنكارا وشجبا لحدثين كبيرين، الأول سياسي بإسقاط الرئيس الحريري من قبل فريق العهد برئاسة جبران باسيل، والثاني إقتصادي تمثل بارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية ربطا بسعر الدولار.
المفاجأة كانت أن طرابلس لم تتحرك، ولا حتى بشكل خجول، فغاب الثوار الذين كانوا يقطعون الطرقات ويسيّرون المسيرات باتجاه منازل النواب، ويواجهون الجيش ويقتحمون السراي، علما أنه عندما جرت المواجهات العنيفة في ليلة حرق البلدية والمحكمة الشرعية وسقوط شهيد من بين المتظاهرين، كان الدولار ما يزال عند عتبة العشرة آلاف ليرة، وكان الحريري ما يزال رئيسا مكلفا، وكان هناك أحاديث عن إنفراجات سياسية وعمليات إنقاذ، أما اليوم فقد تلاشت الآمال وأقفل الأفق السياسي تمهيدا للتوجه نحو جهنم، من دون أن يحرك أحد ساكنا حيال ما يجري.
إنعدام التحركات في طرابلس بهذا الشكل المريب، يؤكد بما لا يقبل الشك أن ما كان يجري من عمليات كر وفر وتخريب للممتلكات العامة والخاصة ومواجهات مع الجيش لا دخل لأبناء طرابلس به، لأن من يتحرك رفضا لدولار بعشرة آلاف لا بد أن يصعد من تحركاته ضد دولار بـ23 ألف ليرة وضد رفع سعر الدواء لأكثر من خمسة أضعاف، هذا عدا عن الغضب رفضا لاعتذار الحريري..
يعني ذلك، أن هناك جهات سياسية باتت معروفة كانت تحرك الشارع في طرابلس مستغلة إندفاعة وفقر بعض أبنائها ومستعينة بكثير من المرتزقة من خارجها لتنفيذ أجندة معينة هي إفراغ الفيحاء من مؤسساتها، وإضعاف قيادتها السياسية من خلال المسيرات اليومية باتجاه منازل النواب وعمليات الاستفزاز التي كانت تسعى لاستدراج إطلاق النار على المتظاهرين لتوريطهم وتوريط المدينة في فتنة داخلية، فضلا عن ضرب صورة طرابلس وتشويه سمعة أهلها، ما يساعد على إستباحتها وإستخدامها لتوجيه الرسائل السياسية بالحديد والاطارات المشتعلة.من الواضح أيضا، أن هذه الجهات السياسية قد وصلت الى مبتغاها في إعتذار الرئيس الحريري سواء ثأرا منه على إستقالته بعد ثورة 17 تشرين، أو ربما سعيا لاجراء إنتخابات نيابية مبكرة، وبالتالي فإن تحريك الشارع ودفع الأموال للمرتزقة لم يعد يجدي نفعا، بإنتظار الخطوات التالية التي ستلي إعتذار الحريري وهي تبدو مؤجلة الى ما بعد عيد الأضحى المبارك، وبالتالي فإن ثمة وقت لاعادة تحريك الشارع بالاتجاهات المطلوبة التي تخدم أجندات هذه الجهات السياسية.يقول بعض المراقبين في طرابلس: إن التحركات التي حصلت قبل نحو إسبوعين، لم تكن تمت الى الثورة بصلة، بل هي كانت عبارة عن رسائل سياسية واضحة بشعارات مطلبية كشفها أبناء المدينة ولم يشاركوا فيها، فإقتصرت على عدد قليل من المنتفعين الذين ركزوا على إستدراج أي إشكال، سواء مع الجيش من خلال إطلاق النار في التبانة، أو مع قوى الأمن الداخلي عبر محاولات إقتحام سراي طرابلس وإحراق أبوابها، أو مع النواب عبر إستفزاز حرس منازلهم، أو مع المواطنين العاديين بالاعتداء على الممتلكات الخاصة، كما إتخذت وجها جديدا في جبل محسن الذي لم يسبق له في تاريخه أن واجه أبناؤه الجيش ، ما دفع البعض الى التساؤل ما إذا كان هناك رسالة سياسية من جهات معينة الى الجيش، أو أن هناك محاولة جديدة لاستدراجه الى فتنة مع أبنائه لاضعاف دوره؟.ويشدد هؤلاء على أنه لم يعد من الجائز التساهل مع من يسيئون الى صورة طرابلس بالتلطي خلف التحركات المطلبية التي كانت من المفترض أن تصل الى الذروة في اليومين الماضيين، داعين الأجهزة الأمنية والقضائية الى الكشف عن هوية حارقي البلدية والمحكمة الشرعية، والجهات المخططة والممولة والتي يبدو أنها توقفت اليوم عن تمويل توجيه الرسائل فتجمدت التحركات في طرابلس، مؤكدة أنه طالما لم يتم الكشف عمن عاثوا فسادا في المدينة ومن يقف خلفهم، فإن الفيحاء ستبقى عرضة للاستهداف من قبل من يريد تحويلها الى صندوق بريد.
المصدر:
سفير الشمال