من “التأليف” إلى “التكليف”، عادت “البورصة” الحكوميّة، بفعل “اعتذار” الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، بعد “صراع” استمرّ تسعة أشهر، من دون أن ينجح في فرض مجلسه الوزاري الذي أراده متجانسًا ومنتجًا وإصلاحيًا، فاصطدم بشروط “المحاصصة” التقليديّة، التي أطاحت بكلّ الوساطات والمبادرات.
ومع عودة الأمور إلى مربّعها الأول، حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون موعدًا للاستشارات النيابية الملزمة الإثنين المقبل، في ظلّ “ضياع” يبدو مسيطرًا على المشهد، بغياب أيّ بوادر “توافق” حتى بين مكوّنات الأكثرية النيابية على الشخصية التي يمكن التوافق عليها، أو بالحدّ الأدنى على مواصفاتها وخصائصها.
ولأنّ الرئيس عون كان يشترط التوافق المسبق قبل الدعوة إلى استشارات، تُطرَح علامات استفهام عن “خلفيّات” تحديد موعد الإثنين، وما إذا كانت الاتصالات السياسية قد أفضت إلى اتفاق مبدئيّ مثلاً في الكواليس، وبين هذا وذاك، ما إذا كان موعد الإثنين “ثابتًا أو نهائيًا”، أم أنّه يبقى عرضة للتعديل في اللحظة الأخيرة.
المماطلة تضرّ بالرئيس!
رغم التجارب السابقة والاجتهادات الدستورية الكثيرة، لم يكن متوقَّعًا أن “يتريّث” الرئيس عون في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، للكثير من الأسباب والاعتبارات، أولها أنّ من مصلحة “العهد” إظهار “ديناميكيّة عالية” في التعامل مع ملفّ الحكومة، بعدما اتُهِم باعتماد أسلوب “الإحراج فالإخراج” مع الحريري، دون خريطة طريق لما بعد الاعتذار.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ الرئيس عون بدعوته إلى الاستشارات “يتحرّر” من “عبء ثقيل” كان سيُحمَّل مسؤوليته، فيما لو ارتأى الانتظار، علمًا أنّ الظروف الحاليّة الكارثيّة في البلاد لا تتحمّل أيّ مماطلة، وهو بموجب ذلك يرمي الكرة في ملعب الكتل السياسية على اختلافها وتنوّعها وتناقضها، للقيام بواجباتها، وتسمية رئيس حكومة قادر على “تعويض ما فات”.
ويرى العارفون أنّ هناك بين المقرّبين من الرئيس من كان يفضّل الانتظار، إلا أنّ الرأي الغالب كان أنّ “ضرر” التأجيل هو أكبر من الدعوة، خصوصًا أنّ أكثر الخيارات “مَرارة” بالنسبة إلى “العهد”، أي أن تفضي الاستشارات لتسمية الحريري، ليس مطروحًا اليوم، كما أنّ عدم حصول توافق قبل الإثنين سيؤدّي حكمًا إلى تأجيل لا يتحمّل عندها الرئيس مسؤوليته وتبعاته.
“ضياع وارتباك”
لا يعني ما تقدّم أنّ طريق الاستشارات مفروشة بالورود، وأنّ التوافق على شخصية رئيس الحكومة سيكون “حتميًا” قبل الإثنين، خصوصًا أنّ هذه “الرحلة” قد لا تكون مسهَّلة أو ميسَّرة على الإطلاق، في ظلّ “ضياع” كامل يسيطر على المشهد العام، و”ارتباك” يتجلى بمقاربة مختلف الأفرقاء لاستحقاق الاستشارات.
ففيما أعلن الرئيس سعد الحريري أنّه لن يسمّي أحدًا في المبدأ لرئاسة الحكومة، لا يزال “الثنائي الشيعي”، ولا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري، متمسّكًا بضرورة تسمية من يرضى عنه الحريري، فيما يميل “العهد”، ممثَّلاً بـ”التيار الوطني الحر”، لتسمية أحد الدائرين في فلكه، حتى لو صُوّر في بعض الأوساط على أنّه مرشح “مواجهة”، لاعتقاده بعدم القدرة على تحقيق أيّ شيء في حال الذهاب إلى مرشح “وسطي”.
وثمّة أكثر من “سيناريو” متداول لاستشارات الإثنين، التي يرى البعض في تحديد موعدها “محاولة ضغط” على كلّ الأفرقاء لتحديد موقفهم صراحةً، بما يفضي إلى كشف كلّ الأوراق، وحسم “التوافقات الممكنة”، فيما لا يبدو سيناريو “التأجيل” بعيدًا، على أن يأتي بطلب من الكتل السياسية، في “استنساخ” لمشهد تأجيل استشارات ما قبل تسمية الحريري، ولو باختلاف الظروف والمعطيات اليوم.
يحتفل اللبنانيون اليوم بعيد الأضحى، من دون حكومة أصيلة ترعى شؤونهم، وهم يشعرون بمعنى العيد أكثر من أيّ وقت مضى، بعدما ضحّوا بالغالي والنفيس، وفقدوا كلّ قدرة على الصمود. رغم ذلك، يشعر كثيرون أنّ قدرة البعض على “المناورة” لم تنتهِ، وقد لا تكون استشارات الإثنين بعيدة عنها، مع كلّ ما يحيط بها من سيناريوهات وروايات وفرضيّات، ولو كان الإثنين “الحاسم” لناظره قريبًا!.