هل يعطي عون الرئيس المكّلف الجديد ما لم يعطِه للحريري؟

23 يوليو 2021
هل يعطي عون الرئيس المكّلف الجديد ما لم يعطِه للحريري؟

قد تستأهل التجربة العونية – الباسيلية – الحريرية في الحكم عناء التعليم في الأكاديميات السياسية. فعندما كان هذا الثلاثي متفاهمًا على ما يحلو للبعض تسميته “محاصصة”، لم يُحسب حساب للآخرين. وكانت بينهم أشهرٌ من “السمن والعسل”. ولكثرة ما كان بينهم من إنسجام ظّن كثيرون أن هذه العلاقة ستدوم إلى آخر العهد. وعلى هذا الأساس قامت التسوية بين “بعبدا” و”بيت الوسط”، وكان كل من النائب جبران باسيل والمدير السابق لمكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري مهندسي هذه التسوية، التي إنتقدها أكثر من طرف سياسي، وقد إعُتبرت إلغائيةً لأدوار الذين لم يروا في هذه التسوية وفي التسوية التي سبقتها، والتي أدّت إلى وصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة خلاصًا للبنان، بل رأوا أن هاتين التسويتين مضافًا إليهما إتفاق معراب ستؤدي في المحصلة إلى ما وصل إليه لبنان من إنهيارات على كل المستويات.
أمّا عندما إختلف هذا “الثلاثي” على أمور كثيرة، ولم يعد “التعايش” بينهم ممكنًا، فقد دخل لبنان في نفق طويل ومعتم، ولم تستطع الوساطات والمبادرات أن تقرّب المسافة الفاصلة بين عون وباسيل من جهة والحريري وفريقه السياسي من جهة أخرى، وقد طويت مفاوضات التسعة أشهر بإعتذار معلّل، لأن سقف الشروط التي وضعها عون على الحريري لم يكن في الإمكان السير بها، لأن هذه الشروط  لم تراعِ أحكام الدستور، وقد وضعت العصي في دواليب التأليف في الأساس من أجل دفع الرئيس المكّلف إلى إتخاذ الموقف الذي إتخذه بعدما حاول بكل الإمكانات المتاحة تجاوز العامل الشخصي، لكنه لم يستطع أن يتنازل أكثر مما تنازل عنه أو أن يقدّم المزيد من التضحيات فيما الآخرون لم يبدوا أي تجاوب مع أي مبادرة لإخراج لبنان من أزماته ووضعه على سكّة الحلول الممكنة.
ومن ظّن أن مرحلة ما بعد الإعتذار ستكون أسهل من مرحلة ما قبلها قد خاب فأله، خصوصًا أن مسألة التأليف ستكون أشبه بـ”المرحلة الحريرية، لأن التكليف، على ما يبدو، لن يكون مستحيلً.
 فالسقف الذي حدّده الرئيس الحريري عندما كان يفاوض في زياراته الـ 21 للقصر الجمهوري على مدى تسعة اشهر قد أصبح بمثابة خارطة طريق لكل من سيُكّلف من بعده، إذ من المستبعد أن يقبل أي مرشح للتكليف بقبول ما سبق أن رفضه الحريري، خصوصًا في ما يتعلق بمندرجات الدستور وما ينصّ عليه من وجوب إحترام صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة، وإلتزام الجميع بهذه النصوص الدستورية، والتي يجب أن تكون الفصيل في أي خلافات بين المرجعيات، من دون أن يلجأ أي من هذه المرجعيات إلى إجتهادات قد تقارب “الهرطقات” الدستورية لتغليب رأي على آخر، ولفرض ما لا يمكن القبول به، وهذا ما فعله الحريري عندما لم يجد أمامه سوى باب الإعتذار للخروج من دوامة الشعارات التي كان يتم التلطي خلفها، وهي في حقيقة الأمر، كما فهم رئيس تيار “المستقبل” أخيرًا، في آخر إجتماع في القصر الجمهوري، عندما قال له رئيس الجمهورية “الهيئة ما راح فينا نتفق”. وهذا كان الهدف الأول والأخير للرئيس عون والنائب باسيل، اللذين لم تنزل تسمية الحريري لتشكيل الحكومة على قلبيهما سلامًا وبردًا، وفعلا المستحيل من أجل “تهشيله” ودفعه إلى حافة الإعتذار، وكان لهما ما خطّطا له.
وبعد كل هذه السيناريوهات يبقى السؤال الذي يحيّر المتعاطين في الشأن الحكومي مطروحًا وبقوة، وهو يختصر مرحلة ما بعد الحريري: هل سيعطي عون ومعه باسيل للرئيس المكّلف المفترض ما لم يعطياه للحريري؟
سؤال يبقى برسم القصر الجمهوري حتى تحين ساعة الحقيقة.