يصرّ رئيس الجمهورية ميشال عون على أنّ موعد الاستشارات النيابية يوم الإثنين “نهائيّ”، وأنّ أيّ طلبٍ لتأجيلها يجب أن يكون “مبرَّرًا ومعلَّلاً”، وذلك في إشارة منه إلى “استعجاله” تسمية رئيس حكومة جديد، بعدما دفع الرئيس سعد الحريري إلى الاعتذار، ومن أجل رمي كرة التعطيل والاتهامات في ملعب سائر الأفرقاء.
لكنّ سيناريو “التأجيل” يبقى أكثر من وارد، وفق ما يرى كثيرون، بل إنّ التسريبات التي تتحدّث عن “شبه توافق” يقوده “الثنائيّ الشيعيّ” مع الرئيس الحريري، ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقين، يعزّز هذا المنحى، باعتبار أنّه يشبه إلى حدّ ما “التوافق” على الحريري الذي دفع عون إلى تأجيل الاستشارات، متذرّعًا بـ”طلب” من كتلة الطاشناق.
يقول البعض إنّ هذا التوافق، إن وصل إلى خواتيمه، لا يرضي “التيار الوطني الحر”، الذي سعى بكلّ طاقته “لإحراج” الحريري، وصولاً إلى “إخراجه” من المعادلة، لكن، قبل أن تكتمل الفرحة، يبدو أنّ “النصر أفرِغ من مضمونه”، وفق تعبير البعض، طالما أنّ الوزير السابق جبران باسيل غير قادر على “فرض” مرشّحه، رغم حلفه مع “حزب الله”.
نواف سلام مرشح “التيار”؟!
لعلّ الانعكاس الأوضح على هذا “الامتعاض العونيّ”، إن جاز التعبير، يتمثّل في ما يُحكى عن أنّ “التيار” يدرس جدّيًا تسمية السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، خلافًا لتوجّهات الأكثرية النيابية، وهو حديثٌ لم يعد مقتصرًا على التسريبات والتكهّنات، بعدما رود على لسان أحد نواب تكتل “لبنان القوي”، في مؤشّرٍ يحمل الكثير من الدلالات.
ويرى البعض أنّ “التفكير” بتسمية نواف سلام من جانب “التيار الوطني الحر” يشكّل بحدّ ذاته “رسالة قاسية” إلى الحليف الأوحد، “حزب الله”، الذي سبق أن وضع “الفيتو” في وجه سلام، بل صوّب على من اختاروا تسميته، في المراحل السابقة، وبالتالي فهو يعبّر عن “انزعاجه” من التوافقات التي تتمّ بمعزَلٍ عنه، ودونما رضاه أو مباركته، والتي يعتبر أنّها ستؤدّي إلى تكرار “التجربة المُرّة”، بمنطقه، مع تكليف الحريري.
وثمّة من يتحدّث عن اعتبارات أخرى خلف الحديث “العونيّ” حول تسمية سلام، وإن كانت تتقاطع بمجملها عند الرغبة بـ”التمايز”، في الحدّ الأدنى، عن “حزب الله”، لأسبابٍ قد يكون بعضها خارجيًا، وفي محاولةٍ لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي، ولا سيما إلى الأميركيين، علمًا أنّ كلام النائب إدّي معلوف كان واضحًا في هذا الإطار، لجهة “أنه ليس بالضرورة أن نكون على الرأي ذاته مع حزب الله”.
هواجس “التيار”
عمومًا، يعتقد كثيرون أنّ السفير نواف سلام لا يمكن أن يكون “المرشح الجدّي” لـ”التيار”، إذ إنّ مواصفاته لا تتقاطع البتّة مع تلك التي يريدها فعلاً لرئيس الحكومة المكلَّف، وهو الذي يقول العارفون إنّه يريد “صلاحيات استثنائيّة” لحكومته التي يريدها من الاختصاصيّين حصرًا، ويرفض تطعيمها بالسياسيّين، بما يطيح بكلّ منطق “المحاصصة” الذي يصرّ عليه “العونيّون”.
بهذا المعنى، لا يمكن تفسير تسمية نواف سلام، سواء وصلت إلى خواتيمها أم لا، إلا من باب “ردّ الفعل” من جانب “العونيّين” على التوافق “الأكثريّ”، الذي وجدوا نفسهم مرّة أخرى خارجهم، علمًا أنّ لدى “التيار” هواجس بالجملة، أولها الخشية من أن تتكرّر تجربة الحريري بشكلٍ أو بآخر، وهو ما قد لا يستطيع تحمّله، في ضوء الضغوط الداخلية والخارجية من أجل تأليف الحكومة، وهو ما تدفع أيضًا باتجاهه مصلحة “العهد” قبل كلّ شيء.
لكنّ هذه المقاربة “العونيّة” لا تجد تفسيرًا لدى الكثير من خصومه، ممّن يطرحون أسئلة “مشروعة” عن شكل الحكومة التي ينشدها “العهد”، لا سيّما وأنّ ما يعبّر عنه يوحي بـ”رهان” مستمرّ على حكومة تشبه حكومة حسّان دياب التي أضرّته أكثر ممّا نفعته، أو حكومة “اللون الوحد” التي يدرك القاصي والداني أنّها لا يمكن أن تقود إلى “الإنقاذ”، بل أنّها لن تؤدّي سوى لفتح أبواب “جهنّم” أمام جميع اللبنانيّين.
يخشى “التيار” من أن يأتي أيّ “توافق” لا يمرّ من خلاله على حسابه، فيطيح بطريقه بكلّ ما صوّره “انتصارًا” باعتذار الرئيس سعد الحريري عن استكمال المهمّة. ورغم أنّ مقرّبين منه يشيعون أجواء تفاؤلية وإيجابية، عن حكومة قبل الرابع من آب وما شابه ذلك، إلا أنّ الطريق تبدو “وعرة”، وملأى بـ”الألغام” التي قد لا يكون تفكيكها ميسَّرًا في المدى المنظور!.