المحسوم والمحسوب ما بين 2011 و2021

24 يوليو 2021
المحسوم والمحسوب ما بين 2011 و2021

كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”: ما إن شاع احتمال تكليف ميقاتي، طُرح سؤال لم يُجب أحد عنه بعد: ماذا يسع رئيس الجمهورية إعطاء الرئيس المكلف ما لم يُعطه لسلفه، كي يتاح تأليف حكومة؟
ليست الصلاحيات الدستورية المتقاطعة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، خصوصاً التفسير المتباين للمادتين 53 و64، وحدها منعت تفاهم عون والحريري، بل الخلافات الشخصية التي وصلت إلى حدّ البغض والكره وتبادل الإهانات، ما أحال استمرارهما معاً مستحيلاً؟ أما اليوم، فطرح السؤال يقود إلى إجابة معكوسة: لا رئيس الجمهورية يتغيّر بمثل سهولة الانتقال من رئيس مكلف جرّبه إلى آخر كان أيضاً قد جرّبه، ولا ميقاتي أقل تشدداً من الحريري في الإصرار على تفسيره ورفاقه في نادي رؤساء الحكومات السابقين على نحو ما يرومون المادة 64، إذ يعتبرونها هي الأصل في تحديد نطاق الصلاحية المنوطة بالرئيس المكلف لتأليف الحكومة، وحصر التأليف به وحده. ليس غريباً كذلك أن ميقاتي، كسائر رفاقه في النادي، اتهموا الرئيس بمخالفة الدستور والاعتداء على صلاحيات الطائفة السنّية وانتهاك اتفاق الطائف. وهما الآن سيؤلفان الحكومة المقبلة.
 
بذلك، فإن مسار التكليف الجديد ومآله مرتبطان ببضع معطيات مستجدة وقديمة في آن:
أولها، تُعزى دوافع قبول ميقاتي بتكليفه، إلى أنه لا يسعى وراء لقب حازه مرتين. كلتاهما كانتا في مراحل تحوّل سياسي مهم: أولى عام 2005 على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في خضم انقلاب موازين القوى رأساً على عقب، وفوز غالبية مناوئة لدمشق بالانتخابات النيابية. وثانية عام 2011 على أثر انهيار الغالبية هذه وانتقالها من فريق إلى آخر، جسّدته إطاحة حكومة الحريري. مفاد ذلك، إقران ترشيح الرجل بمخاض سياسي صعب. لذا لا تنفصل موافقته على تكليفه عن بعدين محلي وإقليمي، شجعا على اقتراح تسميته رئيساً للحكومة المقبلة: أول البعدين توافر غالبية نيابية تؤيده، مشابهة للتي زكت تكليف الحريري قبل أقل من سنة. وثاني البعدين ما يتردّد عن تداول اسمه بين العواصم المؤثرة في الأزمة اللبنانية. تأييد الحريري وبرّي له، وتبعاً لذلك حزب الله، ضروري. بيد أنه غير كاف. كذلك تناقل اسمه بين باريس وواشنطن والرياض كي يدق أبواب طهران تحت شعار منع الانهيار الشامل للبنان.
 
ثانيها، لا يتنكّب ميقاتي كمّاً كبيراً من الأعباء التي أثقلت على الحريري سواء تسبّب هو بها أو فُرضت عليه. بيد أن الرئيس المكلف المحتمل، يعرف أيضاً أن حزب الله – إذ أيد تكليفه ضمناً سواء سمّاه أو لم يفعل كما مع الحريري – لن يُرجّح كفته هو على رئيس الجمهورية. لن يقبل بأكثر مما قَبِلَ به عون للحريري.
 
ثالثها، رغم التقائهما على النطاق المسلّم به في الصلاحيات الدستورية لتأليف الحكومة، ثمة بون شاسع ما بين ميقاتي والحريري في المقاربات والخبرة ، أضف القدرات والثقافة السياسية وأدوات الظهور وطرائق التعبير والكتمان.
 
لا مفرّ من القول إن ميقاتي متعب لعون إذا تساكنا معاً. لكن المعلوم أيضاً أن الرئيس من طراز أولئك الذين يتغذّون بأمزجة «النقار» والصدام، ويسرّه اللعب مع معانديه المحترفين والمهرة، أكثر منهم الذين يشعرونه بأنهم يركبون أحصنة سواهم.