مَن هذا الرئيس “الكاميكازي”؟

24 يوليو 2021
مَن هذا الرئيس “الكاميكازي”؟

لم يسبق أن شهدت الساحة السياسية مثيلًا لهذا الكمّ من الإتصالات الجدّية التي تسبق جولة الإستشارات النيابية المقررة مبدئيًا قبل ظهر بعد غد الأثنين في القصر الجمهوري، في حال لن تؤجّل لأسباب منها معروف ومنها غير معروف. 

الوضع الخطير الذي يمرّ فيه لبنان غير عادي، بل هو إستثنائي، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يكون الشخص الذي سيكّلف تشكيل الحكومة إستثنائيًا، وله باع طويلة في إدارة شؤون البلد وإيصاله إلى حيث يجب أن يصل بعد طول معاناة. المهمة ليست سهلة، بل شديدة الصعوبة والتعقيد، خصوصًا أنها تأتي بعد فشل الرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومته على أثر العراقيل التي وضعت في طريقه وإقتناعه بأن رئيس الجمهورية، ومعه النائب جبران باسيل، لا يريدانه لا “عَ الحاطط ولا عَ الطاير”. 

فمن يريد أن يقبل بهذه المهمة الخطيرة في هذا الظرف المصيري والمفصلي عليه أن يكون “كاميكازيًا” بإمتياز، لأن ما ينتظره من إستحقاقات ليس بالأمر الهيّن، بل تتطلب الكثير من الحكمة والوعي والإرادة الصلبة لكي يستطيع هذا “الكاميكازي” إجتياز حقل الألغام بأقل أضرار ممكنة، وذلك إنطلاقًا من وعي دقّة الوضع وخطورته. 
فرئيس الحكومة المقبل، وقد أشرف التوافق على تسميته على نهايته في إنتظار الإجابة عن بعض الأسئلة والشروط المهمة التي طرحها، وهو لن يعطي جوابًا نهائيًا قبل حصوله على أجوبة شافية وعلى الضمانات المطلوبة، وإن إقتضى الأمر أن تكون مكتوبة، وذلك خوفًا من تكرار تجربة ما حصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقيادات السياسية التي أعطته موافقة شفهية على بنود مبادرته، ولكنها لم تلتزم بما وعدت به، و”فاتت بالحيط”. 
ومن بين هذه الأسئلة – الشروط، وهي غير رسمية بل إفتراضية ومنطقية في الوقت نفسه، نورد ما يلي:  
-هل سيلتزم الجميع من دون إستثناء ما سبق أن وعدوا به لجهة موافقتهم غير المشروطة على المبادرة الفرنسية، أم أن ثمة بعض التعديلات عليها والتي فرضتها المستجدات الأخيرة، ومن بينها على سبيل المثال شكل الحكومة. فهل ستكون تكنوقراطية بحتة أم تكنوسياسية أم سياسية؟ 
-مع إقتراب الذكرى السنوية الأولى لإنفجار المرفأ هل سيصار إلى كشف الحقيقة، لأن على نتائج هذه التحقيقات تتوقف مصداقية أي حكومة مفترضة؟  
-هل إقتنع المعنيون، جميع المعنيين، بضرورة العودة الى نصوص الدستور واحكامه وروحيته، وتسهيل مهمة الرئيس المكلّف العتيد وعدم وضع العصي في دواليب التأليف؟  
-هل سيوضع الثلث المعطِّل مجدّدًا على طاولة الشروط التي حالت دون تمكّن الرئيس الحريري من تشكيل حكومته؟ 
-هل سُتفرض على الرئيس المكلّف شروط غير دستورية في عملية اختيار فريق عمله من الوزراء المشهود لهم، مهنيًا وكفاءة وأخلاقًا؟  
“الشروط” 
أمّا الشروط التي لا بدّ منها قبل الإقدام على أي خطوة فهي أساسية وضرروية، وذلك خشية أن تأتي التطورات عكس النوايا، ومخافة أي خطوة ناقصة، وهذا ما لا يريده الرئيس المكّلف العتيد، خصوصًا أنه ليس في وارد القبول بأن تدُرج في سجله أي “نقطة سوداء”. ومن بين الشروط، التي هي بطبيعة الحال إفتراضية نورد الآتي:  
 
-التشاور المسبق، قبل “النعم” الكبيرة أمر أساسي وليس هامشيًا أو شكليًا أو عرضيًا.  
-ضرورة حصول التكليف بأكبر قدر من التوافق من قبل المكونّات السياسية الممثلة في المجلس النيابي، وإلا الذهاب إلى خيار آخر.  
-تفاهم ضمني على طبيعة الحكومة العتيدة ومهمتها، مع الأخذ في الإعتبار أن هذه المسألة شرط أساسي لأي تفاهم في المستقبل مع الهيئات الدولية المعنية بالمعالجات المطلوبة، وإنجاح مبادرات الدول الصديقة وفي مقدمها فرنسا لتأمين الدعم العربي والدولي المطلوب والاساسي لهذه المرحلة. 
-مدى الالتزام من قبل الاطراف المعنية بالأسس الدستورية الواضحة في عملية التشكيل، بعيدًا عن سياسة الاستئثار والفرض والتعدي على الصلاحيات.  
-قناعة الجميع بأن صرخة الناس محقّة ولا يجوز تجاهلها والتعاطي معها بأنها مجرد تعبير غاضب، بل ينبغي التلاقي والتعاون بين الجميع للانطلاق في المعالجات الاساسية لحفظ كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم، خارج منطق المعالجة الامنية. 
فبالإجابة عن هذه الأسئلة الإفتراضية، والتجاوب مع هذه الشروط، تتحدّد معالم المرحلة المقبلة، لأن ما يمرّ به لبنان من أوضاع خطيرة لا يسمح بالكثير من “الدلع” السياسي، وبالتالي لا يجوز لأي فريق سياسي أن يفرض أجندته السياسية في “بازار” المساومات، التي اقل ما يُقال فيها إنها في غير مكانها الصحيح والطبيعي، إذ أنه من المفترض التعالي عن بعض “الشخصانية” في المقاربات الوطنية المصيرية، لأن الوقت وقت إنقاذ وليس وقت “عرض العضلات” والمزايدات الرخيصة.