باتت مختلف القوى السياسية تعدّ عدّتها للانتخابات النيابية المقبلة، فهي تدرك أنّ ما يحصل اليوم ما هو إلا محاولة تقطيع للوقت قبل الوصول إلى الانتخابات النيابية بأقلّ الخسائر الممكنة.
وعلى بعد يومَيْن من الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الإثنين المقبل، بدأت تدور في الكواليس أنباء كثيرة عن خارطة التحالفات في الانتخابات المقبلة وكيف سيكون شكلها ولا سيما أنّ “الحابل اختلط بالنابل” فحلفاء الأمس أصبحوا خصوم اليوم وخصوم الأمس غدوا أقرب الحلفاء.
تكمن خصوصية الانتخابات المقبلة – في حال حصلت – بأنّها ستحدّد صورة رئيس الجمهورية المقبل على اعتبار أنّ المجلس الجديد سيكون هو من يقرّر اسم رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون نهاية العام 2022.
وبالحديث عن “الرئيس المقبل” تشخص العيون مباشرة إلى الدائرة الانتخابية التي توصف بأنّها “أمّ المعارك” وهي دائرة الشمال الثالثة المكوّنة من 10 مقاعد نيابية وتضمّ أقضية: البترون (2 موارنة)، بشرّي (2 موارنة)، زغرتا (3 موارنة) والكورة (3 روم أورثوذكس)، وتتنافس فيها أحزاب وتيارات قادتها مرشّحون لخلافة عون في قصر بعبدا هم: رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
في الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2018، حلّت لائحة “معاً للشمال ولبنان” في المركز الأوّل حاصدة 4 مقاعد (2 في زغرتا و2 في الكورة) وكانت تضمّ تحالفاً بين تيار “المردة” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” ومستقلين وفاز منها 3 مرشّحين من “المردة” هم: طوني فرنجية واسطفان الدويهي (زغرتا) وفايز غصن (الكورة)، إضافة إلى مرشّح “القومي” في الكورة النائب سليم سعادة.
وحلّت في المركز الثاني لائحة “نبض الجمهورية القوية” التي شكّلها حزب “القوات اللبنانية” متحالفاً مع حزب “الكتائب اللبنانية” وشخصيات، وقد حصدت اللائحة آنذاك 3 مقاعد جميعها لـ”القوات” (2 في بشرّي هما ستريدا جعجع وجوزيف اسحاق وواحد في البترون هو النائب فادي سعد).
كذلك، تمكّنت لائحة “الشمال القوي” والتي ضمّت تحالفاً بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” و”حركة الاستقلال” من الحصول على 3 مقاعد بتحقيقها حاصلين مع الكسر الأعلى (باسيل في البترون، ومعوّض في زغرتا وجورج عطالله في الكورة).
وعلى الرغم من حلول باسيل أولاً في الدائرة بالأصوات التفضيلية، إلا أنّه من المسلّم به أنّ اللائحة التي كان على رأسها تلقّت جرعات دفع من الأصوات السنية في الكورة والبترون والتي صبّت لمصلحتها ما رفع حاصلها الانتخابي والكسر الذي منحها مقعداً ثالثاً، إضافة إلى دعوة الرئيس الحريري إلى منح الصوت التفضيلي لباسيل، حيث قال يوم زار بلدة راسنحاش البترونية قبل أيام من الانتخابات لجماهير “التيار الأزرق”: “الصوت التفضيلي لصديقي جبران”.
كذلك استفادت اللائحة من القدرة التجييرية لمعوّض في زغرتا والذي منحها أكثر من 8 آلاف صوت مكّنته من كسر ما يعتبرها “الآحادية الزغرتاوية”.
اليوم انقلبت الأمور رأساً على عقب، فمقولة “التفضيلي لصديقي جبران” سقطت، بل إنّ الرئيس سعد الحريري أطلق في إطلالته الأخيرة على شاشة “الجديد” المعركة “الانتقامية” من باسيل، حيث قال: “هناك انتخابات قادمة، وموعدنا مع كل الذين وقفوا ضدّ المبادرة الفرنسية وللردّ على كلّ الموبقات التي حصلت ضدّ تيار المستقبل من قبل التيار الوطني الحر”.
وترى مصادر مواكبة للأجواء الانتخابية أنّ “الانتقام المستقبلي” من “التيار البرتقالي ورئيسه سيكون من دائرة الشمال الثالثة بحكم أنّها دائرة رئاسة الجمهورية المقبلة، وبالتالي فإنّ الرئيس الحريري سيتّجه على الأرجح إلى تجيير الأصوات السنية في الدائرة إلى اللائحة التي تضمّ فرنجية الذي يمكن للسنّة أن “يبلعوه” أكثر من باسيل، ما سيمنحه نوعاً من الشرعية الاسلامية كذلك في معركته الرئاسية المقبل.
وترى المصادر كذلك، أنّ معوّض الذي خرج من تكتّل “لبنان القوي” الذي يرأسه باسيل ثمّ استقال من المجلس النيابي بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب لن يعود إلى تكرار تجربة التحالف مع “التيار” مرّة أخرى وبالتالي خسارة باسيل لحليف آخر له تأثيره من الدائرة.