ذاك الذي لا يغريه لقب “دولة الرئيس”

26 يوليو 2021
ذاك الذي لا يغريه لقب “دولة الرئيس”

يقولها الرجل ويردّدها في كل المناسبات، وقد أثبتت الأحداث صدق ما يقول ويفعل. الرجل ليس هاوي فرص. ليس “مستقتلًا” للحصول على لقب “دولة الرئيس”، وهو رجل دولة في كل المراحل، وبالأخصّ عند المفاصل والإستحقاقات التاريخية. فعلها مرتين ونجح، وهو مستعد لخوض غمار المسؤولية مرّة ثالثة، لأنه لم يعتد التهرّب من المواجهة وتحمّل المسؤوليات، التي تلقى على كاهله.

ولكنه، وعلى رغم إستعداده لتثمير علاقاته الداخلية والخارجية الجيدة لمصلحة إنتاج حلّ لمسلسل الأزمات، إشترط لكي يقبل تلقّف “كرة النار” عدّة أمور، لأنه لا يريد أن تكون الحكومة، التي سيتوافق عليها مع رئيس الجمهورية، وبالتفاهم مع جميع المكونات السياسية في البلد، حكومة عادية وغير إستثنائية يتلاءم تكوينها مع متطلبات المرحلة، وهي كثيرة، وتضم لائحة طويلة وعريضة من الإستحقاقات والتراكمات، إقتصاديًا وماليًا وسياسيًا وأمنيًا وإجتماعيًا، وتأخذ في الإعتبار هواجس الناس والحراك المدني.

وهذا الأمر، كما يراه الرئيس نجيب ميقاتي، لا يتمّ بين ليلة وضحاها، ولن يتحقّق بكبسة زرّ أو بعصًا سحرية، بل يتطلب تضافر جهود جميع الأفرقاء السياسيين وغير السياسيين، وضمان عدم دخول أي عامل “خربطة” على خارطة طريق الحلّ المفترض رسمها بدقة وعناية وحكمة وبعد نظر، وعدم الإفساح في المجال أمام “دلع” البعض، الذي يفتش عن مصالحه الخاصة ولا تهمّه المصلحة العامة إلا بقدر ما تتناسب مع أهوائه الخاصة وطموحاته السياسية الضيقة.
لا يريد أن تكون الحكومة “محرقة له”، ولا يريد أن تكون عنوانا لمرحلة إنتقالية تنتهي مع الإنتخابات النيابية كما حصل معه في العام 2005، وإنما يريد أن تكون حكومته حكومة الإصلاحات، وأن يكمّل بعد الإنتخابات ما بدأه قبلها.
الرئيس ميقاتي، الذي لا يطلب شيئًا لنفسه، أراد تعهدات مسبقة من القوى الأساسية في الداخل بعدم التخريب عليه، وعدم وضع العصي في دواليب عربة الإصلاح، ويريد من الخارج ضمانات بفتح أبواب الدعم والمساعدة لحكومته المنتظرة، وأن تكون هذه المساعدات بداية البدايات للبدء بمسيرة إعادة وضع لبنان على سكّة إستعادة عافيته شيئًا فشيئًا، إلى أن يحين آوان الحلول الكبرى، والتي بدأت الدول المعنية بأزمات الإقليم تضع الورقة اللبنانية من بين الأوراق الموضوعة على طاولة المفاوضات، مع سعيّ جدّي من قبل الفاتيكان لدى عواصم القرار، وبالأخص لدى واشنطن، لوضع القضية اللبنانية في سلمّ الأولويات، وألا يدفع لبنان ثمن التسويات، وألا يذهب “فرق عملة” وجوائز ترضية.
الرئيس ميقاتي قارىء أكثر من جيد للواقع اللبناني بكل تفاصيله وإمتداداته الإقليمية، ويدرك جيدًا أن المهمة التي ستوكل إليه ليست مجرد “نزهة”، وأنها من أصعب المهمات التي ستوكل إليه، ولكنه يؤمن بأن لبنان الغارق بأزماته سيعود إلى ما كان عليه في السابق، وربما أحسن، ولكنه في الوقت ذاته يعرف أن يدًا واحدة لا تصفّق، لذلك كان شديد الحرص في الإتصالات التي أجراها أو تلك التي أجريت معه على أن يكون هناك توافق داخلي على ضرورة إخراج لبنان من عنق الزجاجة، وعلى أن تكون المساعدات الخارجية للبنان غير مشروطة وغير مغلفة بمظاريف لها طابع سياسي معين.
المشوار طويل ولن تكون مراحله سهلة، وهو سيبدأ بالتزامن مع إقتراب الذكرى السنوية للإنفجار المرفأ، على أن تكون الأهداف واضحة المعالم، ومعها الغايات والمرامي.