تتّجه الأنظار اليوم إلى قصر بعبدا حيث يعقد رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس مكلّف تشكيل الحكومة تعمل على محاولة “وقف الانهيار” الذي يتسارع يوماً بعد يوم منهكاً البلاد والعباد.
وعلى وقع اعتذار الرئيس سعد الحريري بعد نحو 8 أشهر من تكليفه وفشله في الوصول إلى تشكيلة حكومية تنال موافقة رئيس الجمهورية، ظهر اسم الرئيس نجيب ميقاتي ليكون الأوفر حظاً لمحاولة السير بين “ألغام” الأزمات الداخلية التي أحكمت قبضتها على رقاب اللبنانيين.
يذهب الرئيس ميقاتي في حال نيله تسمية النواب إلى تشكيل حكومته الثالثة بعد العامَيْن 2005 و2011 حيث أدار في الأولى مرحلة حرجة من التوتّر السياسي الذي ساد البلاد عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعرفت حكومته آنذاك بأنّها “حكومة الانتخابات” حيث دامت لـ 3 أشهر فقط واقتصرت مهمّتها على إجراء الانتخابات النيابية والتي لم يكن فيها ميقاتي مرشّحاً، فيما حمل في حكومته الثانية “كرة النار” الإقليمية يوم كانت الدول العربية في مخاض ما عرف بـ”الربيع العربي” وما نجم عنه من انعكاسات على لبنان والمنطقة برمّتها.
10 سنوات تفصل حكومة الـ 2011 عن حكومة الـ 2021 في حال شُكّلت، انتقل فيها لبنان من مرحلة إبعاد النيران الإقليمية عنه إلى مرحلة إطفاء نيران “جهنّم” التي أحرقته.
وما بين المرحلتَيْن تحوّلات وتطورات محلية وإقليمية كبيرة قلبت المشهد، فيما بقي بعض أوجه التشابه بين المرحلتين على ما هي عليه وإن بأشكال مختلفة.
في العام 2011 كانت الأزمة السورية في بدايتها وما أحدثته من شرخ بين اللبنانيين الذين انقسموا عمودياً بين مؤيد لـ”النظام” وداعم لـ”الثورة”، فيما يمكن القول إنّ العام 2021 شهد بداية حلّ للأزمة في ظلّ عودة التواصل بين دمشق وبعض الدول العربية وعملية تسريع الوصول إلى الحل السياسي بين مختلف الأطراف.
كذلك في العام 2011 كانت العلاقات الأميركية الإيرانية في ذروة التوتّر في ولاية الرئيس الإيراني المتشدّد آنذاك أحمدي نجاد والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وذلك قبل الوصول إلى الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى الكبرى في العام 2015 خلال ولاية الرئيس حسن روحاني الذي يوصف بأنّه “أكثر اعتدالاً” من سلفه.
أما اليوم فتخوض أميركا وإيران لعبة شدّ حبال أخرى وإن اختلفت أدواتها قبل الوصول إلى إطار جديد للاتفاق مع انتخاب جو بايدن رئيساً لأميركا وقبل تسلّم الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مهامه بشكل رسمي.
من أوجه التشابه كذلك، أنّ ميقاتي شكّل حكومته عام 2011 بعد قيام فريق ما كان يسمّى بـ”8 آذار” بإسقاط الحكومة التي كان على رأسها الرئيس الحريري أيضاً لكن يومها كان الحريري رئيساً أصيلاً على حكومة قائمة، أمّا اليوم فيخلف ميقاتي الحريري كرئيس مكلّف لتشكيل حكومة لم تولد.
لا يمكن للبنانيين أن ينسوا مرحلة الـ 2011 والرسائل التي تبادلتها القوى المتصارعة في الإقليم عبر الأمن وتحديداً في مدينة طرابلس التي كانت توصف بأنّها “صندوق بريد” حيث شهدت نحو 20 جولة قتال بين منطقتَيْ باب التبانة وجبل محسن.
يومها كانت الخلافات السياسية طاغية على المشهد اللبناني، أمّا اليوم وفي قلب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لا يبدو الوضع الأمني مستقراً كذلك، ولكن هذه المرة ستكون الأسباب متعلّقة بالواقع المعيشي للناس في ظل تحذيرات متواصلة من الوصول إلى “انفجار اجتماعي” ستكون تبعاته في الشارع.
وعلى الرغم من كلّ التحوّلات والتطورات التي رافقت هذه السنوات، إلا أنّ عبارة واحدة طبعت مرحلة قيام الحكومات التي تلت حكومة الرئيس ميقاتي من عام 2014 وحتى العام 2020 مع تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، وهي عبارة “النأي بالنفس” التي رسّخت الخصوصية اللبنانية وما يفترض أن تكون عليه السياسة الخارجية للدولة أمام “لعبة الكبار”، لكنّ التحدّي الداخلي اليوم أمام ميقاتي هو الأكبر والأبرز لمحاولة “فرملة” الانهيار الحاصل ووضع لبنان على سكّة الإنقاذ وانتشاله من الوحول التي غرق بها.