نقلت صحيفة “ايريش تايمز” (irishtimes) الإيرلندية، عشية الذكرى الأولى لانفجار بيروت المدوي، شهادات إيرلنديين وهم يستذكرون الانفجار الضخم الذي دمر القلب الإبداعي والاقتصادي لبيروت.
داميان كارول وأويف كينيري وفليمينغ فاريل ولوك فيتزهيربرت ينبشون في ذاكرتهم ما بقي من ذلك اليوم المشؤوم.
“بيروت لن تغادرني أبداً”
يروي داميان كارول الذي يعمل حالياً في هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة في بيروت، كيف سقط على شرفة شقته الواقعة على بعد بضع مئات الأمتار من المرفأ، بعدما خرج لرؤية الحريق الذي اندلع فيه.
يقول: “ما إن خفُت صوت الانفجار حتى سارعت لأتأكد من سلامة أطرافي خوفاً من تأثير الأدرينالين على شعوري بيديّ وبقدميّ (…) وما إن تأكدت منها، ركضت وآخرون لمساعدة كبار السن والمصابين على إخلاء المبنى (…) كنا نجري فحصاً سريعاً للإسعافات الأولية قبل المسارعة بنقل المصابين إلى سيارات الإسعاف (…) توفي شخصان كانا يقيمان في المبنى الذي أسكن فيه متأثرين بجروحهما (…) لقد هب كل من باستطاعته المساعدة (…) أعتقد أن بيروت لن تغادرني أبداً بسبب انفجار المرفأ. في كثير من الأحيان، عندما أتحدث عن ذلك، يجتاح عقلي فيض من التساؤلات التي تبدأ بـ”ماذا لو”.. ماذا لو لم أذهب إلى الشرفة وماذا لو بقيت داخل الشقة؟ ماذا لو لم أنزل إلى الشارع؟ هذه الأسئلة لا تراودك مباشرة، لفرط انهماكك بالمساعدة، لكنها تطاردك فيما بعد”.
“أردت التأكد من أن جلدي لم يذب”
بدورها، تؤكد أويف كينيري التي تعمل في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي كانت تستعد للخروج من شقتها في المبنى الذي ينتظر للهدم اليوم، بأن “صوت الانفجار لا يشبه أي شيء سمعته من قبل.
لقد دوى وكأنما وقع على عتبة الباب تماماً (…) اختنق الجو بالدخان الأبيض (…) ولمست في الواقع وجهي لأتأكد من أن جلدي ما زال يغطيه. هرعت كينيري لرؤية أصدقائها في شقتهم وقد غطتهم الدماء” (…) تشرح كيف لاحظت الناس وهم ينهمكون بالتصوير في ذلك اليوم، ثم تجزم بعدها: “كان من المنطقي أن يقوم أحدهم بتوثيق ما حدث، في غياب أية مساءلة على الإطلاق. حين يحدث أمر كذلك، تحتفظ بسجل حتى لا يخيل لك أن ما حدث محض خيال”.
“الصدمة تؤثر عليك بالتأكيد”
بالنسبة لفليمينغ فاريل، شريكة في مكتبة في بيروت، كانت قد خرجت يوم الانفجار لتناول العشاء مع صديق (…) عند الانفجار، وجدت نفسها ملقاة في الهواء، ثم عانت من ارتجاج في المخ وفقدت الوعي لمدة 10 دقائق، ما تسبب بمعاناتها من ثغرات في الذاكرة. تقول: “الصدمة تؤثر عليك بالتأكيد (…) الضعف الجسدي مقلق للغاية واعتراني في ذلك الوقت القلق من العودة إلى بيروت”.
وبعد الانفجار مباشرة، تساءلت فاريل عن إمكانية إعادة بناء المشروع، آسفة لأن بعض كبار السن أجبروا في لبنان مراراً على إعادة بناء أعمالهم التجارية. “يقول بعض الناس فقط إنهم مرهقون وإنهم لا يريدون الاستمرار بذلك أو أن يستمر أطفالهم ببناء ما دمر”.
“رعد خارق وقضية وهمية؟”
أما لوك فيتزهيربرت الذي كان قد أنهى في ذلك اليوم المرعب، عمله في إحدى الصحف في وسط بيروت وكان يستقل حافلة مع صديق لحظة الانفجار، أخذه الصوت كالصاعقة.. “بدا الأمر وكأنه رعد خارق للطبيعة. وقفت على الفور ونظرت حولي. لم توفر الأضرار المادية أي زاوية”.
يتذكر لوك الذي لم يعرف ما يجب فعله خوفاً من انفجار آخر، كيف سارت الحافلة ببطء بين المتاجر والمطاعم التي تحطمت واجهاتها. خطط وأصدقاؤه للخروج من بيروت تحسباً وحين عاد إلى شقته التي يفترض أنها بعيدة عن المرفأ، لاحظ “أن الدمار ترك بصمته في كل مكان وبدا الأمر وكأن البيوت تعرضت للسرقة. الملابس متناثرة في أنحاء الشقة والنوافذ محطمة. أما في الخارج فجثث كثيرة”.
في الأيام التي أعقبت الانفجار، يتذكر لوك “الجو المهووس والغاضب الذي أشعل إحساساً متجدداً بالحماسة الثورية”.
يستطرد: “لقد خرجت مظاهرة ضخمة في ساحة الشهداء يوم السبت الذي تلا الانفجار. لكن القوات الأمنية قامت بتفريقها واستخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الغاضبين”.
ويأسف فيتزهيربرت الذي نال حصته من الغاز المسيل للدموع يومها، لأن “هذا الاحتجاج يبدو كأنه ينحسر اليوم في الذاكرة، وقضية المحكمة التي تحقق في الانفجار وهمية. لم يبق مما حدث سوى المتاجر المغطاة بألواح خشبية واحتجاجات عرضية خارج وزارة العدل”.