عام على “زلزال” الرابع من آب.. الحداد لا يغطّي “المهزلة” المتواصلة!

4 أغسطس 2021

مرّ عام كامل على ذلك اليوم المشؤوم الذي يستحيل أن يُمحى من ذاكرة أيّ لبنانيّ عاشه بشكل مباشر أو غير مباشر. مرّ عام كامل على ذلك اليوم المنحوس الذي توقّف معه الزمن بالنسبة لشريحة واسعة من اللبنانيين. مرّ عام كامل على ذلك اليوم المرعب الذي لا يزال اللبنانيون يعيشون “صدمته” حتى يومنا هذا.

 
مرّ عام كامل على اليوم المشؤوم والمنحوس والمرعب، لكنّ شيئًا لا يوحي بأنّ يومًا واحدًا قد مرّ، لا من الناحية “النفسيّة”، سواء لذوي الضحايا الذين قضوا في الانفجار، أو للضحايا “الأحياء” أنفسهم، الذين كُتِب لهم عمرٌ جديد لا يشبه ما قبله، ولا من الناحية “اللوجستية”، حيث لا يزال الدمار شاهدًا على “الزلزال” الذي دمّر مدينة عن بكرة أبيها، وحوّل أهلها من محبّين للحياة، إلى مجرّد “صامدين” في الحياة لا أكثر.

 
أما الناحية “العملية”، فحدّث ولا حرج، عام كامل لم يحصل فيه تقدّم واحد على خطّ العدالة للضحايا، والانتصار لدمائهم، عام كامل لم يحمل سوى بعض التسريبات عن إهمال وفساد تسبّب بالمأساة، وعن مسؤولين كانوا يعلمون بتخزين نترات الأمونيوم، لكنّهم ارتأوا الصمت، عام كامل لم يتحمّل أيّ مسؤول، مهما كانت رتبته، أيّ مسؤوليّة، بعيدًا عن وعد “الدولة” بإنجاز التحقيق خلال خمسة أيام في “سابقة” في تاريخ لبنان!
 
“العدالة” أولاً وأخيرًا
 
لم تحصل “السابقة”، ولم ينتهِ التحقيق في خمسة أيام، بل لم يُنجَز شيء منه في 365 يومًا بالتمام والكمال. على العكس من ذلك، تتصرّف الدولة مع الملفّ “بوقاحة” منقطعة النظير، وفق توصيف المنظمات الحقوقية العالميّة، وهو توصيف يبدو أكثر من محقّ، بل قد يكون ملطَّفًا إلى حدّ بعيد، نظرًا إلى كمّ الالتباسات المحيطة بالتحقيق، وتقاعس السلطة عن توفير الحدّ الأدنى من التسهيلات، بما يرقى لمستوى عرقلة العدالة وأكثر.
 
هكذا، تناوب محقّقان على الملف خلال عام واحد. لم يكن سبب التغيير عجز المحقّق عن التوصل إلى نتيجة محدّدة، في جريمة بحجم تفجير المرفأ، ولا عدم قدرته على مواصلة التحقيق، ولا حتى ما اتُهِم به من “شعبويّة” في بعض ما ذهب إليه، بمعزلٍ عن مدى دقّته، ولكن بكلّ بساطة، “جرأته” على الادّعاء على عدد من المسؤولين، فكانت “انتفاضة” بعض النواب ضدّه، لأّنه قفز فوق “الحصانة” التي يمنحهما إياها الدستور.
 
فهِم “خلف” المحقّق الأول الرسالة، فعرف كيف يدور بين “الألغام”، فاختار سلوك الدرب القانونيّ، ليطلب الأذونات حين اقتضى الأمر، ورفع الحصانات حين تطلّب، فلم يكن له شيء ممّا أراده. بدلاً من ذلك، بدأت “العرائض” تتوالى، باسم العدالة، وكلّها قد تكون مفيدة، لكنّها لا تُغني عن الخطوة الأولى المستعجلة، وهي الاستجابة لطلبات القاضي، دون زيادة أو نقصان، لعلّها تكون “الخطوة الأولى” في مسار “الألف ميل”.
 
بكاء على الأطلال
 
بالتوازي مع هذا المسار القضائيّ الذي لا يزال في بداياته على ما يبدو، ولم يحقّق شيئًا على أرض الواقع، يصرّ السياسيون في الخطابات “الوجدانية” على لعب دور “أمّ الصبيّ”، معلنين “تضامنًا” مع ذوي الضحايا لا يقنع هؤلاء، لدرجة أنّ هناك من قرّر أن “يمنّن” الأهالي بيوم حداد عام أعلنته السلطة على ضحايا سقطوا في انفجار يُعَدّ من أعنف الانفجارات غير النووية في تاريخ البشرية برمّتها.
 
تتباهى “السلطة” بيوم حدادها، الذي تضيفه إلى سجلّ “إنجازاتها”، فيما تتعامل معه وكأنّه “يوم عاديّ وسيمرّ”، على طريقة “ما وقد قد وقع”. لذلك، هي تحذّر من التحرّكات التي ترافقه، ومن إمكان “استغلالها” من قبل “طابور خامس” يريد حرفها عن مسارها، ويجرّها إلى أماكن وزوايا أخرى لا تمتّ لانفجار المرفأ بصلة من قريب أو بعيد، بل يسعى لتحقيق أجندات قرّر البعض أنّها “مشبوهة” قبل معاينتها أساسًا.
 
تحذّر السلطة من “طابور خامس” وتتوجّس من تحرّكات هذا اليوم، لكنّها في المقابل لا تفعل شيئًا لطمأنة الجماهير. كان بإمكانها أن تسهّل ولادة الحكومة، لتبصر النور قبل الرابع من آب، كما أراد الرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي، فتطلب من أيّ محتجّين غاضبين منحها “الفرصة” اللازمة للإنقاذ، لكنّها أبت تقديم أيّ “تضحية”، وأصرّت على “الحصص”، لتقدّم “رسالة” أكثر من سلبيّة في ذكرى الرابع من آب.
 
تناوب المسؤولون على الكلام في الساعات الماضية. كلّهم تلاقوا على طلب العدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وكلّهم تلاقوا على البكاء على أطلال “المجزرة” التي وقعت. إلا أنّ معظمهم لم يتنبّه للمسؤولية “الأخلاقية” التي ينبغي عليه تحمّلها، بدءًا من الاستجابة لطلبات المحقق العدلي، كما هي، وصولاً إلى التخلّي عن الأنانيّات، وتسهيل تشكيل حكومة، تعيد الاعتبار للمواطن الذي بات يشعر أنّه بدوره “ضحية مع وقف التنفيذ”!