هل تذكرون علي مشيك؟. علي الذي قُتل من أجل 5000 ليرة؟. هل عرفتم يوماً كيف يموت الفقراء، تكاد تميزهم من تفاصيلهم، لا شيء سوى صورة تعرّف عنه، لا شيء سوى النكبة، وعائلة مفجوعة تبكي ضحية بحجم هذا الوطن، قتلنا جميعا في العمق.
لكل ضحية من ضحايا إنفجار المرفأ رواية، تشبه كل واحد منّا بأسلوب. وفي تفاصيل رواية علي مشيك الأب الذي عاد الى المرفأ يومها من أجل 5000 ليرة اضافية يتلقاها على راتبه الاصلي، أو عفواً ليس براتب بل يومية، عبارة عن 24 الف ليرة، مأساة مضاعفة. لماذا ترك علي فينا كل هذا الأثر، نحن لا نعرفه، لماذا تُقتلع روحنا من مكانها حينما نرى هذه الصورة اليتيمة له، ولا تربطنا به اي صلة، سوى صدى ذاك الانفجار؟. ربما لأنّه يشبهنا، يشبه والدي في ملامح سعيه للقمة العيش، يشبه آباء طبقة الحرمان والذل، تخيلوا لو علي بقي على قيد حياة غير كريمة كما نعيش، تخيلوا تلك الـ5000 ليرة التي عاد لأجلها ما كانت لتساوي اليوم؟.
يشبه علي وجعنا، يشبهنا نحن الأحياء الأموات، كتب أحدهم عبارة في الصميم: “ما يميز علي مشيك عن بقية الضحايا أن علي كان ميتا حتى قبل ٤ آب”. قُتل والى عدالة ربه إنتقل، هناك حيث الحقيقة المطلقة، أمّا على أرض هذا السواد، فلا حقيقة ولا عدالة ولن تكون. قُتل علي وهو أب لـ3 أطفال، يقولون أنّ والدهم قضى شهيداً، هل يعرفون ما يقولون، يرددون ذلك بفخر، ولكنهم حينما سيكبرون سليعنون من فعل بهم هذا. سيخاطبون رب العدالة ويشكون يتمهم وحرمانهم، لن يثأروا لن يتركوهم يثأرون. سيغيبون العدالة والحق، ويقولون لهم هنيئاً الشهادة. أمّا علي مشيك، الشاب الذي عُثر على جثته بعد ايام من الانفجار في إهراءات القمح، اضافة الى جو عقيقي وابراهيم الامين، ضحايا لقمة العيش، فله نصيب من عدالة السماء، لم يعد ينتظر لا قضاء ولا محاسبة. حصد موته في قلب الإهراءات ورحل.
وفي ذكرى مأساة الرابع من آب، لا شيء سوى العدالة مطلب أساس كي لا تذهب الدماء دهراً، كي لا تتجدد النكبة.