إستقيلوا قبل أن تُقالوا

5 أغسطس 2021
إستقيلوا قبل أن تُقالوا

إختصر البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، في الكلمة التي ألقاها في قداس ذكرى ضحايا إنفجار المرفأ، المشهد السياسي المأزوم في لبنان عندما توجّه إلى أهل السلطة بالقول: “لا حياة لمن تنادي”.

بهذه الجملة المعبّرة عما يختلج في ضمير كل مواطن نزل بالأمس إل ساحة بيروت المنكوبة رسم البطريرك الراعي صورة طبق الأصل عمّا هي عليه حال المسؤولين، الذين لم تهتزّ كراسيهم من تحت أقدامهم، وهم لا يزالون يجلسون عليها وكأن لا شيء حصل قبل سنة من اليوم، يجلسون على كراسيهم وهم مطمئنون إلى أن بعض الأجهزة الأمنية، التي حاولت بالأمس إحباط التحركات الشعبية الغاضبة، تحميهم وتحمي كراسيهم.
كان من المفروض بعد إنفجار المرفأ، وما خلّفه من ضحايا وجرحى وإصابات وتدمير وتهجير وتشريد، أن يحسّ هؤلاء المسؤولون غير المسؤولين على دمهم، ويقدّموا إستقالتهم إلى الشعب، الذي لم يعد يريدهم بعد اليوم، وهو كما يدّعون مصدر السلطات.

بعد هذا الكلام لم يعد لدى هذه الطبقة السياسية الفاشلة ما يبرّر تصرفاتها غير المسؤولة. وبعد تظاهرات الذكرى الأولى لجريمة هذه السلطة، وهي تظاهرات شوهّت صورتها ورمزيتها وقدسيتها تصرفات “همجية” لبعض الذين يحاولون في كل مرّة حرف التظاهرات السلمية عن أهدافها، وقد بات القائمون بهذه التصرفات المسيئة إلى دماء ضحايا 4 آب معروفي الهوية والإنتماء، وممن يتلقون توجيهاتهم وتعليماتهم، ومن يمّولهم ومن يدفعهم إلى إفتعال أعمال الشغب والتعدّي على الأملاك العامة والخاصة، وذلك بغرض تصوير الحراك الشعبي بأنه همجي وغير حضاري.
بعد هذا اليوم التاريخي، الذي إستذكرنا فيه أرواح ضحايانا وبكيناهم دمًا ودموعًا، لم يعد من المسموح أن يتلطى الذين ساهموا في شكل أو في آخر بهذه الجريمة البشعة وراء حصانات واهية، وقد قالها الراعي أمس، إذ أكد أن المجرم وحده هو الذي يخاف من العدالة، ووحده الذي يشعر بالذنب يختبىء وراء حصانات واهية وغير ذي قيمة عندما ينفجر غضب الشعب، إن عاجلًا أو آجلًا، عندما يُسقطهم في أول إمتحان، وعندما يحاسبهم في صندوقة الإقتراع، قبل أن يحاسبهم التاريخ، وقبل أن يرذلهم أبناء عشيرتهم قبل غيرهم.
لم يعد المسموح بعد اليوم السكوت عن جريمة القرن، لم يعد مسموحًا أن نترك من قتل وجرح ودّمر وشرّد وهجّر ينامون في أسرّتهم المخملية، لن ندعهم يهنأون في عيشتهم بينما الشعب الفقير يرزح تحت كل أنواع الذّل والقهر، لن ندعهم يستكينون بينما الشعب الفقير والمقهور يجوع، لن ندعهم يرتاحون ما دامت الأدوية غير متوافرة ومخبأة في مستودعات المافيات، مافيات السلطة.
لن نسكت بعد اليوم قبل معرفة من أدخل مواد “النيترات أمونيوم” إلى العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، ولماذا إختير هذا العنبر بالذات، ومن كان يشرف عليه من غير الأجهزة الأمنية اللبنانية الشرعية، التي تتحمّل مسؤولية “قبة الباط”، لهذه الجهة التي كان من مصلحتها إدخال هذه الكمية من المتفجرات، والتي كان يُستفاد منها في أعمال حربية، سواء خارج لبنان أو داخله.
لن نسكت بعد اليوم قبل أن نعرف الحقيقة كاملة من أولها إلى آخرها.
لن نسكت قبل أن يُخضع القاضي طارق البيطار جميع الذين أدّعى عليهم للإستجواب والمحاسبة وإنزال أشدّ العقوبات في حق من تثبت إدانته، وتبرئة من لا تُثبت التحقيقات تورّطه.
المحاسبة يجب أن تكون للكبير قبل الصغير. لن نسمح بأن يُقدّم الصغير كبش محرقة وتبرئة المتهمين والمشتبه بهم الكبار.
بعد 4 آب 2021 لن يكون كما قبله.