كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: يبدو أن تطورات الذكرى السنوية الأولى لانفجار 4 آب، قد فرضت نفسها على الملف الحكومي فتحول الجو السلبي الذي ساد بعد اللقاء الرابع بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي الى إيجابي في اللقاء الخامس، حيث خرج الرئيس المكلف ليعطي جرعة أمل للبنانيين إنعكست إرتياحا في الأسواق المالية، ما يؤكد أن التوافق السياسي على تشكيل حكومة والذي من شأنه البدء بمعالجة الأزمات وإستدراج المساعدات الدولية أهم من كل الشروط والشروط المضادة، ومن المحاصصة الوزارية والحقائب السيادية.
كان واضحا أمس أن ثمة عملية خلط أوراق جديدة في تشكيل الحكومة، ما دفع الرئيس ميقاتي الى تجهيل طائفة ومذهب كل الوزراء لا سيما لجهة الحقائب السيادية، ما يشير الى جدية البحث عن مخارج قد تساعد في “صناعة” توافق على قواسم مشتركة من شأنها أن تسهل ولادة الحكومة.لا يمكن لعاقل أو لأي مسؤول لديه أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية أن يقف حائلا دون تشكيل الحكومة وأن يحرم لبنان واللبنانيين من فرصة وقف الانهيار التي باتت في متناول الأيدي، خصوصا أن مؤتمر الدعم الذي عُقد أمس الأول بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبدى إستعداده لتقديم كل ما أمكن من المساعدات لكن بشرط تشكيل الحكومة، كما إشترط ذلك البنك الدولي الذي خصص مبلغ 860 مليون دولار سيتم تحويله الى حساب مصرف لبنان نهاية الشهر الجاري وهو يحتاج الى حكومة لتحديد آليات صرفه، إضافة الى مؤتمر الدعم الذي سيعقد في أيلول المقبل والذي من شأنه في حال شُكلت الحكومة أن يُبدل من التعاطي الدولي مع لبنان.
كما لا يمكن لعاقل أن يرى وجع اللبنانيين في الرابع من آب وغضبهم الذي تفجر تجاه السلطة وأن يلمس حجم المخاطر من التصعيد الاسرائيلي، ثم يترك البلاد عرضة للفراغ من دون حكومة من أجل وزير بالزائد وآخر بالناقص أو من أجل حقيبة سيادية هنا وأخرى هناك، خصوصا أن أي إفشال لمهمة الرئيس المكلف ستكون بمثابة الضربة القاضية للبنان.من هذا المنطلق، يبدو الرئيس ميقاتي مصرا على الايجابية في التعاطي مع رئيس الجمهورية ومع كل الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، وعلى البحث عن المخارج الممكنة، وذلك إنطلاقا من مسؤولية وطنية دفعته الى أن يحمل كرة النار، بهدف وقف الانهيار تمهيدا للانقاذ الذي يستعد المجتمع الدولي الى أن يساهم فيه.لذلك، فقد أكد ميقاتي أمس أنه “يعمل بتفاؤل ولا يضع الاعتذار في حساباته حاليا لأنه قبِل بالتكليف من أجل التأليف وليس من أجل الاعتذار الذي ربما يكون آخر الدواء عند الوصول الى الطريق المسدود”.تشير المعطيات الى أن ميقاتي يطمح الى أن تساهم الحكومة في حال أبصرت النور في أن يستعيد لبنان ثقة المجتمع الدولي تمهيدا لمضاعفة التقديمات والمساعدات في مؤتمر أيلول المقبل، لذلك فإنه يعمل على إيجاد الطاقم الوزاري القادر على الانجاز والنجاح في كل الحقائب لا سيما تلك الموضوعة تحت المجهر كالطاقة والاتصالات والأشغال لما لها من تأثير كبير في عملية وقف الانهيار، إضافة الى المالية والاقتصاد لما لهما من دور في التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة قطاع المصارف، فضلا عن الداخلية والعدل اللتان ستشرفان على الانتخابات النيابية التي ستكون موضع إهتمام المجتمع الدولي برمته نظرا لدورها الكبير في إعادة تكوين السلطة السياسية في البلاد.لا شك في أن هذا الطموح مشروع وهو قد يتحقق في حال بادر رئيس الجمهورية الى ملاقاة الرئيس المكلف في منتصف الطريق.. فهل تدفع آلام اللبنانيين ومعاناتهم التي تترجم يوميا وبلغت ذروتها في الرابع من آب الرئيس عون الى التعاون مع ميقاتي في هذا المشروع الانقاذي، أم أنه سيعمل على قطع الطريق بالمطالب والشروط وصولا الى الارتطام الكبير؟..