عام بالكامل مر على تفجير 4 آب، وهويّة مرتبكي جريمة العصر لا تزال مجهولة، بفعل محاولة المنظومة الحاكمة تمييع التحقيقات وجرّها إلى مكان آخر، في حين يناضل أهالي الضحايا ومعهم شريحة واسعة من اللبنانيين والمجتمع المدني الذين ملأوا الساحات امس لتبيان الحقيقة ومحاسبة المجرمين، وأعينهم ساهرة ابدا على مسار مجريات التحقيقات القضائية، في ظلّ سيطرة حكّام لا يمكن الوثوق بهم ولا الاتّكال عليهم وهم من بين المشتبه فيهم بعد أن فجروا البلد.
الجميع انتظر الذكرى المأسوية الاولى لـ 4 آب، حيث وعد أهالي الضحايا مع الثوار أنّها ستكون تاريخاً مفصلياً. وبالفعل، لفّ الحزن لبنان مع حلول الذكّرى أمس وشهدت شوارع العاصمة مسيرات حاشدة وتحرّكات تخلّلتها مواجهات عنيفة أمام مجلس النّواب كما في مبنى شركة الكهرباء بين بعض المحتجّين والقوى الأمنية. فكيف يمكن تقييم هذا اليوم؟ وهل انتهت الأمور عند هذا الحدّ؟ وما يمكن أن يحدث بعد الاتّهامات الصادرة عن أهالي الشهداء؟
في حديث خاص لـ”المركزية” اعتبر المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصّائغ أن “الحشود الاستثنائية التي شاركت في فعاليّات مرور عام على جريمة تفجير مرفأ بيروت المنظّمة، تؤشّر إلى رمزيات ثلاث:
الرّمزية الأولى قائمة في تفاهم الشعب اللبناني على أن المعركة مع المنظومة الحاكمة والمتحكّم بها مستمرة في مقاومة مدنية سلمية. وتتمثل الثانية بسقوط حدود قول الحقيقة التي حاول البعض وضعها ترهيباً أو تحذيراً أو تجاهلاً أو تمييعاً في مواجهة القضاء وأهالي الضحايا، واللبنانيات واللبنانيين التواقين إلى العدالة.
والرمزية الثالثة الرسائل التضامنية الكثيفة الدلالات من العالم العربي والمجتمع الدولي تجاه لبنان، من وقفة صمت السفراء المعتمدين، إلى مؤتمر دعم لبنان بمتابعة فرنسية مع الأمم المتّحدة، وموقف مجموعة الدّعم الدّولية الخاصة بلبنان، والكلام العميق للبابا فرنسيس، وفي هذه الرسائل ملاقاة لطموحات الشعب الللبناني بالتحرّر من هذه المنظومة وخياره في بناء دولة مواطنة مدنية تسودها الحوكمة السليمة والمساءلة والمحاسبة والشفافية، دولة مكتملة السيادة وحصرية السلاح فيها للقوى الشرعية، دولة العيش الواحد، دولة الإنتماء إلى الشرعية العربيّة والدّولية، دولة كرامة الإنسان وبناء السّلام، ورسالة حضارة الإبداع”.
وعن فاعليّة هذه الرّمزيات واستدامة تأثيرها بعد 4 آب، أشار إلى أن “المواجهة بمقاومة مدنيّة سلميّة مع المنظومة عمليّة تراكميّة، وفيها محطّات مفصليّة، ومنها البارحة حيث كانت التحرّكات استثنائية بكلّ المعايير، مع موجب الاعتراف بأنّ المنظومة لا تريد أن تعترف بحجم ارتكاباتها الإجراميّة على كلّ المستويات، وهذه الارتكابات قيد التوثيق الدقيق، وحتماً ستحوّل يوماً ما إلى المحاكمة على أنّها جرائم ضدّ الإنسانيّة، والتّاريخ يمهل ولا يهمل”.
وحول محاولة حرف الأنظار عن الذّكرى الأليمة بإشعال جبهة الجنوب، لفت الصّائغ إلى أن “الأحلاف الموضوعية واضحة للعيان، وما يواجهه الشعب اللبناني كما قال البطريرك الراعي “احتلال”، وعبّر عنه البابا فرنسيس بالصّوت العالي على أنّه “خطر على الهوّية والكيان والدّور والرّسالة”، وبالتالي المواجهة قاسية بين الظّلمة القاتلة والنّور القياميّ”.
أما عن انتقال الثّورة إلى المقاومة المدنية السلمية، فشدّد فيها الصّائغ على أن “توحيد الرؤية والبرنامج والقيادة في أوسع عملية تنسيق منهجيّة، ثبت في تكافل الفعاليّات في ذكرى 4 آب، والثّبات في بناء كتلة وازنة مستمرّ، على أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة محطّة مهمّة لترجمة ذلك، مع موجب الاعتراف باختلال موازين القوى، لكنّ المعركة أخلاقية في الحقّ، والحقّ ما بيموت!”.