كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: قدم حزب الله أمس دفعة على الحساب من الفاتورة الطويلة للبنان في ذمة العدو الاسرائيلي الذي لا تثنيه الشكاوى العديدة من الدولة الى مجلس الأمن على الانتهاكات والاعتداءات على السيادة الوطنية برا وجوا وبحرا، فباغت جيش الاحتلال بصليات صاروخية أربكته وفرضت عدم التصعيد.
ما شهدته الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية أمس شكل رسالة واضحة لجهة التأكيد على جهوزية المقاومة للرد على أي إعتداء إسرائيلي، وتذكير حكومة الكيان الغاصب بأن هناك صواريخ تطال عمق الأراضي المحتلة، وفي ذلك تحذير من الدخول في أي مغامرة جديدة، أو كسر قواعد القرار الدولي 1701 بتنفيذ إعتداءات متلاحقة على الأراضي اللبنانية.
يبدو واضحا أن ما حصل في الجنوب كان تصعيدا مدروسا محدد الأهداف، لذلك فهو لم يخرج عن السيطرة، لا سيما من الجانب الاسرائيلي الذي سارع الناطق باسم جيشه الى تبني رواية إطلاق الصواريخ صبيحة الرابع من آب من قبل الفصائل غير المنضبطة، ومن ثم التخفيف من تأثير الصواريخ التي أطلقت أمس وتبناها حزب الله بأنها جاءت في المناطق المفتوحة وبعيدة عن المناطق المأهولة وبالتالي فإنه لا داعي للتصعيد وإشعال جبهة الشمال، كما أن الاعتداءات الاسرائيلية تركزت على التلال والأراضي البعيدة عن السكان.
تشير المعطيات الى أن التصعيد على الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية قد يكون مرتبطا بعملية التجديد للقوات الدولية “اليونيفيل”، في ظل تباين في وجهات النظر بين أميركا والاتحاد الأوروبي لجهة توسيع صلاحياتها التي قد تؤدي الى أزمات لا تنتهي في الداخل اللبناني، أو البقاء على مهماتها وفقا للقرار 1701 الذي يشدد الجميع على ضرورة التمسك به لما كان له من مفاعيل إيجابية منذ العام 2006 ولغاية اليوم.
في المقابل تتجه المشاورات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى مزيد من الايجابية، في ظل إصرار ميقاتي على إبداء مرونة تختزن إصرارا على تشكيل حكومة مهمة يكون لها الصدى الايجابي لدى اللبنانيين، وترضي المجتمع الدولي وتستدرج مساعداته وتقديماته، وتؤسس للمؤتمر المقبل في شهر أيلول، وتعمل على وقف الانهيار وعلى معالجة الأزمات تمهيدا للوصول الآمن الى الانتخابات النيابية التي من شأنها أن تعيد تكوين السلطة.
واللافت أن المرونة التي يبديها ميقاتي وتلقى تأييدا من كل الأطراف السياسية إضافة الى رؤساء الحكومات السابقين إنطلاقا من أن الهم الأساسي للجميع هو تشكيل حكومة “مهمة”، نجح من خلالها الرئيس المكلف في إقناع رئيس الجمهورية بعدم إعتماد المداورة وإبقاء الحقائب السيادية وكذلك أكثرية الحقائب الأخرى على الطوائف والمذاهب المعتمدة في حكومة حسان دياب، حيث من المنتظر إنتهاء عطلة نهاية الاسبوع وعطلة رأس السنة الهجرية يوم الاثنين المقبل لاستئناف المشاورات التي من المفترض ان تنجز المرحلة الأولى في تثبيت الحقائب وفقا للطوائف والمذاهب، ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية المتعلقة بإسقاط الأسماء على الحقائب والتي من المتوقع أن تشهد تجاذبات، يؤكد مطلعون أنه لا بد من تجاوزها في ظل الدعم الكامل للرئيس بري لمهمة ميقاتي والدفع الفاعل من حزب الله ومن سائر الأطراف المعنية بعملية التأليف.
في الوقت الذي تخشى فيه المصادر الافراط في التفاؤل، مستعينة بعبارة الرئيس بري بأن “لا نقول فول إلا إذا صار في المكيول”، تشير المعطيات الى أن تطورات الرابع من آب بكل مندرجاتها معطوفة على التصعيد الاسرائيلي أكدت للجميع بدون إستثناء أن الآتي من الأزمات سيكون أعظم وأخطر، وبالتالي لا بد من تسهيل مهمة ميقاتي الذي إرتضى أن يحمل كرة النار نيابة عن الجميع، في تشكيل حكومة توقف الانهيار الحاصل وتمنع لبنان من الوصول الى الارتطام الكبير.