كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”: «التعليم هيدي السنة مش زابط لا عن بُعد ولا عن قرب»، تكاد هذه العبارة تتردّد على كل لسان. التعليم «أونلاين» بات بالضرورة أكثر تعقيداً مع فقدان مقوّماته من كهرباء وإنترنت ومازوت وأجهزة التابليت والهواتف الذكية، والحضوري أيضاً دونه عقبات كثيرة، ليس أقلها ارتفاع كلفة احتياجات الطلاب في المدارس الرسمية والخاصة من الكتب والقرطاسية والزيّ المدرسي والنقل، التي تضخَّمت أسعارها بصورة كبيرة مع انهيار سعر الليرة. ولا يقلّ تعقيداً تحدّي التحاق المعلمين بمدارسهم، بالنظر إلى ارتفاع سعر البنزين وهبوط قيمة الرواتب إلى مستويات منخفضة باتت تراوح بين 120 و150 دولاراً شهرياً، ما سيجعل هؤلاء غير قادرين على تأمين معيشتهم وتغطية انتقالهم إلى العمل.
في السابق، كان الأهالي يدركون بأنّ مدارس أبنائهم تستنزفهم، ليس بالأقساط فحسب، وإنما بأبواب مختلفة منفصلة أيضاً، لكن الكل كان يدفع، وإن بغير طيب خاطر حيناً وبـ«عضّ على الجرح» حيناً آخر، ظناً منهم بأنهم يضمنون مستقبلاً أفضل لأولادهم. اليوم، الواقع ليس مشابهاً. هم ليسوا مستعدين، بحسب رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى زين الطويل، لدفع أقساط وزيادات غير مبررة مفترضة عليها، ولا سيما بعد زيادة رواتب المعلمين في بعض المدارس الخاصة، مقابل تعليم أونلاين فاشل ويفتقر إلى الحد الأدنى من الجودة. «المطلوب الكف عن المتاجرة بمستقبل أولادنا عبر الدفع باتجاه خسارتهم عاماً دراسياً ثالثاً وتجهيلهم، فما نريده هو تعليم حضوري صرف، شرط أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في تمويل قطاع التربية وتأمين فتح المدارس حتى لو أقفل البلد».
الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي والنقابية، إيمان حنينة، تذهب أبعد من ذلك إلى الحديث عن «حاجة إلى تغيير طريقة التفكير والعمل بأدوات مختلفة تناسب حالة الحصار التي نعيشها. المدارس الشعبية بحسب المستويات التعليمية على غرار تلك التي نشأت خلال الحرب يمكن أن تكون إحدى الأفكار، إذ يمكن الاستعانة بقاعات أو تجهيز مراكز كبيرة في المناطق والأحياء قريبة من أماكن السكن، بما تيسّر، وتسمح بإبقاء التلامذة على قيد التعلّم في بلد منكوب، فمن يصرف مليون دولار في بنود عشوائية يستطيع أن يفكر خارج المألوف».
النقابي محمد قاسم يقرّ بأن نتائج الأزمة الحالية أقسى وأكثر خطورة على الوضع التربوي والاجتماعي من حرب 1975 والاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، إلا أنه ليس هناك مستحيل في إيصال المعرفة إلى الطلاب إذا توفرت الجاهزية، ويمكن أن تكون هناك مبادرات خلّاقة على غرار المدارس الشعبية خلال الحرب الأهلية التي كانت عملاً تطوعياً تمكّن من تدريس 30 ألف طالب على مدى 18 شهراً. برأيه، الأزمة لا تحتاج إلى خطة خمسية رسمية بل إلى استنفار داخل دوائر وزارة التربية وتفويض الصلاحيات لمجموعات متخصصة تعقد ورش عمل مفتوحة تناقش جدول أعمال مدروساً وتجري عصفاً ذهنياً للأفكار لا تتوقف قبل الخروج بصيغة حل على غرار ما حصل سابقاً بملف المهجرين.