لا نعرف فعلا اي شعوذة يقع لبنان واللبنانيون تحت وطأتها ، فما يحصل لا يمكن وضعه ابدا في اطار التطورات الدراماتيكية الطبيعية التي تحصل في اي بلد مأزوم.
ففي البلد الذي انهار على كل الصعد وفي مختلف الاتجاهات، يحمل المواطن نعشه على كتفه ويسير فيه مفتشا عن امكانية الاستمرارية واضعا نصب عينيه احتمال الموت في كل الاساليب الممكنة التي تثبت يوما بعد يوما ان الدولة صماء وعمياء وتعيش في مكان بعيد لا تصل اليه اصداء الأنين والأوجاع والآلام.
ومشهدية الفجر في عكار لا تحتمل التأويل ولا طرح الاحتمالات، فما حصل هو عبارة عن كفاح ونضال من أجل البقاء على قيد الحياة فكان الموت بالمرصاد.
مواطنون عزل حملوا “غالوناتهم” وتوجهوا الى الصهريج علهم يحصلون على كمية من المحروقات تشعل القليل من أيامهم ولياليهم، فكانت النتيجة ان اشتعلوا هم بأنفسهم فتحولوا ضحايا التهمت نيران الدولة وتقاعصها كل جزء من أجسادهم البريئة.
وفقا لبعض المتابعين وحتى اللحظة لم يقفل عداّد الضحايا ولا الجرحى، بالاضافة الى معلومات أكيدة عن عدّاد المفقودين انطلق وبحسرة كبيرة.
وللكارثة التي نتج عنها حتى اللحظة سقوط 20 ضحية و79 جريحا، روايتان يتم التداول بهما، الأولى تقول ان أحد المتهافتين على شراء الوقود قام باشعال قداحته فانطلقت النار على وجه السرعة وفجّرت الصهريج الذي حوّل منطقة التليل الى منطقة منكوبة يلفها الحزن من كل حدب وصوب.
أما الرواية الثانية فتفترض وجود أعمال شغب معينة، متمثلة في اطلاق رصاصة حطت في أحد أجزاء الصهريج الذي انفجر على الفور، وهذه الرواية تؤكد ان الرصاصة ناتجة عن عمل شغب او عن محاولة لابعاد الناس عن الصهريج، ولا يمكن ان تحمّل اي ابعاد أخرى حتى الساعة.
وفي الروايتين تتقاطع المعلومات عن ان الـ 18000 ليتر من البنزين الذين اعتقد اهالي المنطقة انها ستشكل متنفسا لهم في الايام العصيبة التي نمر بها جميعا، كانت معدة للتهريب الى الداخل السوري في عملية تلاقي مصالح بين صاحب الأرض في بلدة التليل حيث تم ركن الصهريج الذي يعود لأحد الاشخاص من وادي خالد.
وفي هذا الاطار وحول تطورات الملف الانساني من حيث عدد الضحايا والجرحى والاحتياجات الطبية يتحدث لـ “لبنان 24” مدير مستشفى عبدالله الراسي الحكومي في حلبا الدكتور محمد خضرين ليؤكد ان “مستشفيات عكار تعاني ما تعانيه ما قبل هذه الكارثة الأليمة، التي وضعت الجسم الطبي في المنطقة بجهوزية تامة، فالضحايا والجرحى وزعوا اولا على المستشفيات القريبة من مكان الحادثة الأليمة والتي يتمركز أبرزها في منطقة عندقت والقبيات، اما بالنسبة لنا فقد استقبلنا جريحين و3 جثث (مفحمة) بالكامل”.
ويضيف خضرين ” للحقيقة وبسبب نقص التخصص في مختلف مستشفيات المنطقة لجهة معالجة الحروق تم نقل الاصابات البالغة الى مستشفى السلام في طرابلس ومستشفى المعونات في جبيل،
فيما تعمل مستشفيات عكار على معالجة الاصابات الطفيفة والتي لا تستدعي علاجا مركزا لاسيما اننا نعاني من أزمة حادة متمثلة في نقص شبه تام لأدوية تخفيف الاوجاع والبنج وغيرها فضلا عن عدم توفر خدمة الكهرباء الا بشكل ضئيل جدا”.
بعد سنة كاملة على انفجار المرفأ في بيروت، انفجار جديد طال عكار وأهاليها لتفوح رائحة الدماء مجبولة بالحرمان والاهمال والتقاعص عن تأمين ادنى متطلبات الحياة للأطراف اللبنانية التي تعتبر محافظة عكار واحدة أساسية منها، فعكار التي لطالما انتظرت شهادة ابنائها في صفوف الجيش لتقدمهم قربانا على مذبح الوطن اتتها الحرائق في الأمس القريب فحوّلت غاباتها سوادا عميقا واتاها انفجار الامس فحوّل قلوبها ومعها قلوبنا الى جمر تحت الرماد لا بد له من ان يثور يوما في وجه سلطة ما زالت حتى اللحظة تعيش رفاهية تناتش الحصص ونحن جميعا في نعش كبير وقد لا نجد من يدفننا.