لا يمكن أبداً “التساهل” مع الإيجابية المرتبطة بعملية تشكيل الحكومة، لأنه في حال تحقق ذلك، فإن البلاد قد تبدأ بالعودة على السكة الصحيحة. ومن دون أدنى شك، فإنّ وجود حكومة سيساهم في وضع أفق واضح لخطوات إعادة تنظيم الأمور، كما أنّ شخصية رئيسها تعتبرُ عاملاً أساسياً للثقة للدولية، وهو الأمر الذي يهمّ لبنان بالدرجة الأولى في هذه المرحلة.
وبغضّ النظر عن “المنعطفات” السياسية المفصليّة التي تنتظر البلاد، فإن المجتمع الدولي يصرّ تماماً على تنفيذ إصلاحات جديّة تكفلُ تسيير الأمور باتجاه النهوض الاقتصادي. وعملياً، فإن هذه الإصلاحات غير بعيدة أبداً عن “ضمانات الدعم التي قدمتها الدول” للرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وهو الأمر الذي قد يساهم في إعادة فتحِ خطوط مباشرة مع الخارج من شأنها أن تنعش الأوضاع قليلاً.
ما هي الخطوات الإصلاحية الضرورية؟
وفي الحقيقة، يتساءل الكثير من اللبنانيين عن “سلّة الاصلاحات” المطلوبة من المجتمع الدولي في لبنان. وبشكل أو بآخر، فإن هناك خطوطاً عريضة لهذا المسار ولا يمكن أبداً الحياد عنها.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ”لبنان24″ إن “إعادة هكيلة القطاع المصرفي خطوة ضرورية في مسار الاصلاح، خصوصاً أن هذا الأمر يساهم في تصفية المصارف التي يعتبرُ وضعها غير جيد، ومن شأن ذلك أن ينعش السوق المالية”.
ووفقاً لمارديني، فإنّ “التفاوض مع الدائنين أمرٌ هام وضروري”، وأضاف: “لبنان أعلن تخلفه عن دفع سندات اليوروبوندز، ولم يتحدث مع الدائنين بعد وعندما يحصل ذلك فإنه لن يكون بمقدوره الاستدانة من الأسواق العالمية. ولهذا، فإنه من المطلوب إعادة هيكلة للدين العام”.
وأشار مارديني إلى أنّ “إعادة هيكلة للمصرف المركزي تعدّ أساساً في الاصلاح”، وقال: “مصرف لبنان لديه خسائر ولا يقرّ بها بسبب تمويله للحكومة اللبنانية وانتهاجه سياسة دعم سعر الصرف، ولهذا يجب إعادة هيكلة المصرف، كما أنه من المهم جداً الانطلاق نحو انشاء مجلس نقد وهو ما يطالب به الفرنسيون”.
ووسط ذلك، فقد أكد مارديني أن إصلاح قطاع الكهرباء هو المقدمة الأساس لوضع حد للهدر، خصوصاً أن هذا القطاع يساهم في مراكمة الدين العام بسبب خسائره.
ومع هذا، فقد لفت مارديني إلى أن خطوة رفع الدعم يطلبها المجتمع الدولي باعتبار أن الدعم هو هدرٌ للأموال ولا يساهم بوصول الأموال إلى الناس، وقال: “ليس لدى المجتمع الدولي مشكلة باعتماد بطاقات تمويلية للناس، لأن الدعم يساهم في استنزاف الأموال بشكل كبير”.
وفي ظل كل ذلك، فإن لبنان يحتاجُ بدرجة كبيرة إلى إعادة إحياء مرافقه الحيوية، وهو الأمر الذي يعجل من حركة الإصلاح الاقتصادي. وعملياً، فإن هذا يرتبط بإعادة إعمار المرفأ وباصلاح قطاع الاتصالات وبتفكيك الاحتكارات. ومن الممكن أن تأتي شركات أجنبية والاستثمار بالمرافق العامة ما يعني أن الدولة اللبنانية يمكنها تقاضي ضرائب لقاء ذلك، ما يساهم في عملية الانتعاش.
الليرة.. هل ستنهار أكثر؟
ما وصلت إليه الأوضاع كشف أن آلية تحرير سعر الصرف ساهمت في إفقار الناس، لأن الدولار وصل إلى مستويات خيالية. إلا أن الأمر الأهم والذي لا يمكن تجاهله أبداً هو الحديث عن استخدام “التوظيفات الالزامية بالعملات الأجنبية” والتي تُعرف بالاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان.
وكما هو معروف، فإنّه لا يمكن للبنك المركزي المسّ بهذا الاحتياطي إلا عبر تشريع من مجلس النواب، ولكن الخطر سيكون كبيراً مع حصول هذه الخطوة التي تحدث عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمس السبت.
وهنا، يقول مارديني إن العمل يجب أن يكون على زيادة الاحتياطي وليس على إصدار تشريعٍ لخفضه أو استعماله للدعم، وقال: “قيمة الليرة ترتبط بحجم الاحتياط.. فكلما كان لدينا حجم احتياطي كبير كلما كانت الليرة مستقرة، في حين أن تضاؤل الاحتياطي يعني انهياراً أكبر لليرة اللبنانية”.
وفي السياق، اعتبر مارديني أنّ سياسة دعم المحروقات عن طريق استخدام الاحتياطي ستؤدي إلى استمرار انهيار الليرة، وقال: “صحيح أن المواطن يرى أن البنزين بـ80 ألف ليرة هو أرخص من 360 ألف ليرة، إلا أنه في المقابل فإن اعتماد الدعم والمس بالاحتياطي سيساهم في أكثر غلاء السلع الأخرى لأن الدولار يرتفع”.
وأردف: “سياسة الدعم لا تقوم بتقليص سعر المحروقات للناس. اليوم، لا نقوم بتعبئة البنزين من المحطات، بل نبادر إلى شراء الغالونات التي تباع في السوق الموازية بسعرها الحقيقي غير المدعوم. وعملياً، فإن سياسية الدعم قطعت البنزين من السوق وحولته إلى المهربين وتجار السوق السوداء. ولذلك، فإن الاستمرار بالدعم يعني انقطاع السلع من الأسواق، وهو الأمر الذي يساهم في تحويلها إلى سوق سوداء”.
واعتبر مارديني أن رفع الدعم ضروري جداً لتوفير هذه السلع، وعندما يتوفر المازوت والبنزين في الأسواق فإن الكهرباء ستعود من جديد، كما أن عملية الانتاج ستتزايد أكثر وهو أمر مطلوب للنهوض الاقتصادي في البلاد، وأضاف: “عندما يقوم المواطن بدفع سعر 4 دولار لصفيحة البنزين من أصل سعرها الاجمالي البالغ 15 دولار، فإن مبلغ الـ11 المتبقي يدفعه من إيداعاته في المصارف، وهو الأمر الذي يساهم في إضاعة الأموال وهدرها”.
وفي المحصّلة، فإن أي مسّ بالاحتياطي الالزامي يعني إفقاراً للناس وإعلان موت الودائع رسمياً، وما المطالبة بهذا الأمر سوى استنزاف للأموال المتبقية في لبنان، وكل ذلك خدمة للاهداف السياسية والانتخابية والشعوبيّة.