ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس عيد انتقال السيدة العذراء في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه رئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب الكرملي ميشال عبود، المونسنيور وهيب كيروز والقيم البطريركي في الصرح الاب طوني الآغا، وخدمت القداس جوقة كاريتاس لبنان، في حضور عدد كبير من راهبات المحبة والقديسة تيريزيا الطفل يسوع ومؤمنين.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة قال فيها: “عندما حيت أليصابات مريم متنبئة: “مباركة أنت بين النساء، ومباركة ثمرة بطنك” (لو 1: 42)، هتفت مريم: “تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع بي عظائم” (لو 1: 46 و 49).
تتوجت عظائم الله بانتقال السيدة العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء، وتكليلها من الثالوث القدوس سلطانة السماوات والأرض. وهذا أعظم عيد مريمي تحتفل به الكنيسة الجامعة في جميع أقطار العالم. يجتمع المؤمنون في كنائس الأرض كلها ليطوبوا مريم على العظائم التي صنعها الله لها، وللعالم بواسطتها. وها نحن من هنا، من على كتف الوادي المقدس وسيدة قنوبين، مقر البطاركة الذين عاشوا فيه مدة أربعماية سنة، طيلة العهد العثماني، وكانوا يحيون عيد سيدة الإنتقال مع الأركان وقناصل الدول. وكانوا صامدين في إيمانهم، وملتمسين شفاعة سيدة قنوبين، وأمامهم مسيرة نحو إنشاء وطن الحرية والكرامة والإستقلالية، تعيش فيه كياناته الثقافية والدينية المتنوعة في جو من الإخاء والتعاون، حتى كان إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، متميزا بنظامه عن سائر دول المنطقة”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذا العيد، الذي جعلت منه رابطة كاريتاس لبنان يوم شبيبة كاريتاس لبنان الوطني بحيث يجتمع كل المتطوعين من شبيبة في كل أقاليم رابطة كاريتاس. غاية اللقاء: تجديد الوعد للخدمة والعطاء بروحانية كاريتاس. فيطيب لي أن أوجه تحية قلبية إلى رئيس رابطة كاريتاس، عزيزنا الأب ميشال عبود الكرملي وإلى معاونيه في المجلس والإدارة، وإلى جميع المسؤولين والعاملين في الأقاليم والمراكز على كامل الأراضي اللبنانية، شاكرينهم وكل المحسنين على سخائهم في خدمة المحبة. وفي المناسبة نوجه تحية شكر وتقدير للشبيبة على الجهود والتضحيات التي يقومون بها خلال مجمل سنة. كافأهم الله بفيض من نعمه وبركاته”.وتابع الراعي: “إن العظائم التي صنعها الله بمريم، صانت جسدها من فساد القبر، وحتمت انتقالها بنفسها وجسدها إلى السماء منذ نياحها، هذا ما آمنت به الكنيسة وعلمته من البدايات، وتناقله التقليد الرسولي الحي، حتى إعلان عقيدة الإنتقال بلسان المكرم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1950، وفيها تعداد هذه العظائم، وهي:أ- عصمة مريم من الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى لتكوينها في حشا أمها القديسة حنة زوجة يواكيم، وهي عقيدة أعلنها الطوباوي البابا بيوس التاسع سنة 1854، وثبتتها السيدة العذراء بعد أربع سنوات في ظهوراتها لبرناديت في مغارة لورد سنة 1858 واعلنت اسمها “سلطانة الحبل بلا دنس”. فكان الله في سر تدبيره يهيئها لتكون أم الكلمة المتجسد، فادي الإنسان ومخلص العالم.ب- أمومة مريم وبتوليتها الدائمة، إذ بقوة الروح القدس أصبحت أم إبن الله الذي أخذ منها طبيعته البشرية، وهي عذراء، وظلت بتولا قبل الميلاد وفيه وبعده. وهكذا أصبحت إبنة الآب، وأم الإبن، وعروسة الروح القدس.ت- مشاركة إبنها يسوع في آلام الفداء. فبإيمانها الصامد بالرجاء رافقته بقلب ممزق بالألم حتى أقدام الصليب، ولسان حالها يردد كلمة “نعم” لإرادة الآب ولتصميمه الخلاصي. إنها في “نعم البشارة” أصبحت أم يسوع التاريخي، وفي “نعم الصليب” أصبحت أم يسوع الكلي الذي هو الكنيسة (راجع أمومتها ليوحنا، وبنوة يوحنا لها: يو 19: 26-27)”.وأردف: “ولكن سرعان ما أسدل علينا صباح اليوم ثوب الحزن والحداد، بانفجار مستودع لتخزين المحروقات في بلدة تليل بعكار فجرا أوقع بحسب المعطيات الأولية ستين قتيلا وأكثر من مئة جريحٍ بينهم من هم في حالة حرجة، وبينهم أيضا جنود من الجيش اللبناني كانوا يقومون بواجبهم. فإنا نعزي عائلاتهم، ونصلي لراحة نفوس القتلى وشفاء الجرحى. ونأمل من الدولة أن تعرف حقيقة أسباب هذا الإنفجار، وتتخذ القرارات اللازمة والاجراءات لتجنب وقوع أمثاله رحمة بالمواطنين الأبرياء. وندعو إلى عدم التسرع في الإدانة، وإلى قطع الطريق أمام مثيري الفتنة الطائفية وانتظار التحقيقات الرسمية، راجين في ذلك مساهمة المسؤولين الروحيين والمدنيين.إننا مدعوون جميعا، وبخاصة المسؤولون السياسيون وكل الذين يتعاطون الشأن السياسي، أن يرفعوا في هذا العيد عيونهم وقلوبهم وأفكارهم إلى السماء، ليستمدوا النور الذي يضيء قراراتهم لتنطلق دائما من الحقيقة فتكون علمية وصحيحة وشجاعة، لا شعبوية وديماغوجية، وبذلك تنقذ الشعب والوطن من وضع اليد على الإحتياطي وأموال المودعين”.ولفت الى أن “كل السجال حول إبقاء الدعم أو رفعه، ما كان ليكون: لو انتهجت الدولة خريطة اصلاحية، والتزمت بنصائح الخبراء والمؤسسات النقدية الدولية؛ ولو أقدمت الأجهزة الأمنية والعسكرية على إغلاق معابر التهريب التي تخرق سيادة الحدود الدولية بين لبنان وسوريا، فيما نأمل من الأجواء الإيجابية المظللة أعمال تأليف الحكومة، الى الآن، ننتظر مع الشعب اللبناني أن يتم التأليف سريعا، بحيث يلتقي مع مستلزمات المجتمعين العربي والدولي، ويخرج لبنان من انهيار مقوماته الواحدة تلو الأخرى كما نرى، والمواطنين من أوجاعهم التي تشتد يوما بعد يوم”.وسأل: “منذ متى في لبنان لا طحين ولا خبز ولا رغيف؟ ولا محروقات ولا غاز ولا كهرباء؟ مذ متى يذل المواطنون أمام محطات المحروقات والأفران؟ والصيدليات ولا أغذية ولا أدوية ولا أمصال؟ مذ متى في لبنان يفكر المرضى في أن يتظاهروا بسبب عدم توفرِ العلاجات؟ مذ متى تخزن المواد المختلفة، ولا تداهم الأجهزة كافة المخازن، ويحاكم القضاء المحتكرِين؟مذ متى في لبنان يملك الناس أموالا في المصارف ويمنعون من سحبها لقضاء حاجاتهم الأساسية والحياتية؟ مذ متى في لبنان يهاجر الأطباء والمهندسون ورجال الأعمال ومعلمو الجامعات وأصحاب المهن الحرة فيما كانوا يدرسون في الخارجِ ويعودون؟مذ متى في لبنان يبكي الآباء والأمهات لأنهم لم يتمكنوا من توفير الطعام والملبس والدواء والمدرسة والجامعة لأولادهم؟ مذ متى في لبنان يموت الأطفال بسبب تلوث المياه؟ مذ متى تحول لبنان من منارة الشرق إلى عتمة الشرق؟”.وقال الراعي: “لكي يبدأ لبنان باستعادة حياته الطبيعية، فإننا نتطلع إلى تشكيل حكومة لا تنتمي فقط إلى الطوائف، بل وبخاصة إلى طائفة النزاهة والكفاءة، وطائفة الوطنية والشجاعة والقرار. ليست الطوائف غطاء لأحد، ولا هي حاجز أمام التغييرِ الديمقراطي. الحكومة التي تخلص لبنان هي حكومة تلتزم سياسة الحياد، وتنأى عن المحاصصة، فلا يحتكر أحد حقائبها ولا توزع الوزارات بنية استغلالها في الحملات الانتخابية المقبلة، أو للانتقام من طرف خصم، أو للسيطرة الأمنية على المجتمع. الشعب يريد حكومة تؤلف على أساس ما يمليه الدستور والمساواة الميثاقية، وكل الباقي هوامش لا مكان لها في هذه الضيقة الشاملة”.أضاف: “إننا نسمع صرخة المزارعين الذين يتخوفون من إقفال برادات التفاح، بسبب نقص مادة المازوت وبالتالي الكهرباء. ما يعني خسارة المواسم التي سخا بها الله عليهم في هذه السنة، وتهجير عائلات هؤلاء المزارعين. فارادوا منا أن نكون صوتهم تجاه المسؤولين وذوي الإرادة الحسنة من أجل تأمين مادة المازوت والكهرباء. نرجو أن تصغي الحكومة الحالية والعتيدة لصرختهم، وأن تقوم مبادرات مناطقية بهذا الخصوص من ذوي الإرادة الحسنة، أكانوا من الداخل أم من الخارج”.وختم الراعي: “نصلي إلى أمنا مريم العذراء أن تواكب سفينة الوطن والكنيسة في بحر هذا العالم الهائج يأمواجه ورياحه العتية، السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية والإجتماعية، لتبلغ بها إلى ميناء الأمان”.