كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: حتى الساعات الأخيرة، وبمعزل عمّا يمكن ان ينتج من اللقاءات المكثفة المقرّرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، فقد كشف احد الوسطاء الذي يشارك في مهمة التأليف خلال الايام القليلة الماضية، انّ هناك رسالة “غير مسبوقة” وصلت الى جميع المعنيين بملف التأليف، العاملين منهم في العلن وأولئك الذين انخرطوا في المهمة سراً ومن خلف الكواليس، في إنتاج المآزق والمبادرات الدستورية والسياسية “المتفجّرة” التي تعوق عملية التأليف، ومفادها انّ “الثالثة ثابتة.. ومن بعدها الطوفان”. وما على المعنيين بالعملية سوى ان يتفهمّوا حجمها وما يمكن ان تنتهي إليه الأمور إن بقيت المحاولات الجارية قائمة على ما هي عليه من أنماط تطيل عمر الأزمة وتشدّ الخناق على اللبنانيين من كل الجهات بطريقة باتت تهّدد حياتهم اليومية.
وتمضي الرسالة لتقول، انّه ولما حان الوقت الذي اعتقد البعض انّ مهمة الرئيس الثالث المكلّف مهمة التأليف ستنتهي الى ما انتهت اليها التجربتان السابقتان، تبدّلت مواقف كثيرة. وخصوصاً انّ هناك من بدأ الاستعدادات لجردة حساب لا بدّ منها، لوضع كثير من الامور والخطوات المبنية على الحقائق في نصابها، وانّ التلاعب بالاستحقاق الدستوري بدأ يلامس مصير الدولة ومؤسساتها ويهدّد حياة الناس اليومية، وانّ من سيتجاوز هذه الوقائع عليه ان يتحمّل المسؤولية منفرداً. واياً كان الموقع الذي يحتله ولو في الكواليس، فهو يقود البلاد الى الجحيم، حيث لا يمكن أحد من الداخل والخارج ان يقبل به. وانّ المسؤولية تقع أيضاً على من يغطي ويدفع الى هذه الهاوية. وأنّ على هؤلاء جميعاً ان يتوقفوا فوراً. فهناك كثير من المؤشرات المخيفة التي لا يمكن تجاهلها على الإطلاق. فقد تسلّلت الازمة الى جماهير الجميع، حتى تلك المحصّنة خلف الأبواب الحديد والتي تغذيها العملات الصعبة والشعارات الرنانة والطنانة التي لم تعد تقنع أحداً. وانّ البديل الذي يمكنه مواجهة مرحلة ما بعد الانهيار غير موجود، مهما بلغت قوته وقدراته. فانهيار الدولة الذي ظهر في أكثر من محطة في الأيام الأخيرة الماضية وتزامنه مع انعدام ابسط الخدمات الحياتية ومقومات العيش اليومية، لم تعد مجرد وهم. ومن يدّعي القدرة على إدارة محيطه وبيئته التي بدأت التفلّت منه، لا يمكنه التوسع الى ما هو أبعد منهما، وسيكتشف انّها المهمة المستحيلة التي لا يمكن الخوض فيها او الاقتراب منها.
وتأكيداً لذلك، يعترف أحد الوسطاء البارزين الذي يواكب الرئيس ميقاتي منذ تكليفه في 26 تموز الماضي بالمهمّة الجديدة، انّ بعض المبادرات الاخيرة “المفخخة” التي اتُخذت، ولا سيما تلك التي أحيت النقاش حول موضوع دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، رغم معرفة من أفتاها بموقف رئيس حكومة تصريف الاعمال منها، ومخاطبة مجلس النواب للبحث في مصير قرار حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في شأن رفع الدعم، فقدت وهجها الدستوري والتشريعي والسياسي في آن. فإلى ما كشف عن معرفة الجميع بمصيرها مسبقاً، فنهايات مراجعات بعبدا السابقة امام المجلس النيابي لم تُنس بعد. وهو ما طرح السؤال حول نجاعة مثل هذه الخطوات ان كانت الولادة الحكومية قريبة، إلّا في حال أُريد منها نسف ما تحقق من تفاهمات.