كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: في واشنطن، هناك تأكيد على أنّلا نية إطلاقاً للانسحاب النهائي من مناطق النفوذ في آسيا والخليج العربي والشرق الأوسط عموماً. ويقول المطلعون إنّ المسألة تتعلق بالحدِّ من «التورُّط» لا أكثر، وإنّ واشنطن لن تنسحب من أي مكان في العالم، قبل أن تحجز لنفسها هناك موقعاً يضمن لها الاحتفاظ بالنفوذ، أياً يكن الوضع القائم.
خطورة هذا الكلام تكمن في الاستنتاج الآتي: إذا كان الأميركيون قد ضمنوا مصالحهم في أفغانستان، وعلى هذا الأساس اتخذوا قرارهم بالانسحاب، فهذا يعني أنّ الانسحاب تمّ ضمن تفاهم مباشر أو غير مباشر مع «طالبان» نفسها. وقد تكون الحركة من جهتها قدَّمت تعهدات وتنازلات معينة للأميركيين لضمان هذه الخطوة، وستظهر مفاعيلها لاحقاً.
وهذا الأمر يثير هواجس كثيرين في الشرق الأوسط من تكرار السيناريو لمصلحة إيران. وليس سرّاً أن غالبية خصوم إيران لم يطمئنوا حتى الآن إلى المآل الذي يمكن أن تنتهي إليه مفاوضات بايدن مع إيران، وإلى مقدار «صموده» في هذا الملف، وما إذا كان سيعتمد النموذج الأفغاني في النهاية.
وهذا النموذج يعني تحديداً «التعب» فجأة، والانقلاب على الحلفاء تحت شعار «الحدّ من الأكلاف»، وإبرام الصفقات «تحت الطاولة» مع الخصوم.
حتى اليوم، المواكبون للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط يجزمون أنّ واشنطن ليست في وارد تسليم إيران أوراقَ قوةٍ إقليمية جديدة. وعلى العكس، هي أراحت نفسها من «الوحول» الأفغانية لتكون أكثر استعداداً لخوض غمار المعارك مع إيران. وهذا الأمر ليس مطلب واشنطن فحسب، بل هو مطلب إسرائيل أيضاً والحلفاء العرب في الخليج. وفي أي حال، بعد الانسحاب من أفغانستان، ستتظهّر اتجاهات الملف الإيراني في شكل أدقّ.
هل على لبنان أن يخشى «السيناريو الأفغاني»؟ أي هل يتعب الأميركيون من «الضعفاء»، فيسحبون أيديهم بعد أن يبرموا صفقة تضمن مصالحهم مع «الأقوياء»؟
في مراحل معينة، هم فعلوا ذلك، وشاركهم حلفاؤهم الإقليميون والدوليون. وسيكون الرهان على أَن لا يُكرِّروا التجربة. وهم يؤكّدون اليوم أنّهم لن يفعلوا.