رغم كل الأجواء الايجابية التي يطلقها المعنيان بتأليف الحكومة، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وان كان تفاؤل الاخير يبقى حذرا وفقا لتصريحاته، عطفاً على اعتبار حزب الله من جهته أن الأمور تتجه نحو الحلحلة وهذا يبشر بقرب ولادة الحكومة، بيد أن أوساطا سياسية ترى أن التفاؤل مبالغ فيه، فالرئيس عون لا يزال متشددا في شروطه، وأن هناك عقداً لا تزال عاصية عن الحل، وهذا من شأنه أن يطيح بكل ما بني في لقاءات بعبدا الـ 11 ويعيد الامور الى المربع الاول، فالاسماء التي ستسقط على حقائب الاتصالات والعدل والطاقة والداخلية لا تزال محور اخد ورد بين الرئيس عون والرئيس ميقاتي، علما ان مصدرا مطلعا اشار في المقابل إلى أن الاتصالات حسمت ووزارة الصناعة لتيار المردة بتوافق المعنيين.
قال الرئيس ميقاتي أمس من بعبدا أن الترتيبات والجهود باتت في الأمتار الأخيرة من مسابقة التشكيل، فهو يسعى جاهدا لخلق فريق عمل متجانس من الاختصاصيين يرضي الاطراف السياسية ويراعي الشارع ومتطلبات المجتمع الدولي، وهذا قد يعني، اذا صفت النيات، ان الحكومة قد تبصر النور في اسرع وقت.
والسؤال ماذا بعد تأليف الحكومة؟ وماذا يمكن لهذه الحكومة أن تحقق، لا سيما وان لبنان يعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه ربطا بمسلسل الانهيارات المالية والمعيشية والصحية، وفقدان المازوت والبنزين وصولا الى الفوضى الاجتماعية المتنقلة؟
لم تتطرق اجتماعات بعبدا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى ملف برنامج الحكومة، فالشغل لا يزال منصبا على الحقائب والاسماء، وان كان “البرنامج” قد أعد الرئيس ميقاتي مسودته وسوف يناقش في حينه في الحكومة، علما أن برنامج الحكومة وفق مصادر متابعة ليس محل خلاف على الإطلاق وكذلك البيان الوزاري، فالخطوط العريضة الرئيسية متفق عليها بين المراجع الرسمية والقوى الاساسية وبالأخص في ما خص الحاجة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والعمل على تحسين العلاقات مع الدول العربية والخليجية وفق مقاربة جديدة انطلاقا من اقتناع كل القوى وعلى رأسهم حزب الله بأهمية حصول لبنان على دعم ومساعدات من المجتمع الدولي لتجنيب لبنان مرحلة الارتطام الكبير. وهذا يعني أن البيان الوزاري لم يأخد وقتا لإقراره تمهيدا لنيل الحكومة الثقة من المجلس النيابي.
أمام الحكومة مهمات وتحديات جسيمة ،من التدقيق الجنائي المالي، إلى تمويل البطاقة التمويلية، وإيجاد حل لأزمة رفع الدعم عن البنزين والمازوت ووضع خطة لحل ازمة الكهرباء، علما أن المبادرة الفرنسية تنص على ضرورة إجراء الاصلاحات في قطاعات عدة اهمها الكهرباء والمرفأ والاتصالات، خاصة وأن أموال سيدر لن تحرر اذا لم تتحقق الإصلاحات.
ومع ذلك فإن الرئيس ميقاتي على يقين أن هناك الكثير من الاصلاحات من الصعب أن تنجز خلال أشهر، فحكومته قد تباشر بها وتمهّد لإنجازها في حكومة ما بعد الانتخابات. ولذلك فإن تركيز حكومة الإنقاذ، لو تشكلت، سيكون على تجنيب البلد الفوضى ووضح حد للانهيار، والعمل على تأمين المستلزمات الأساسية للمواطن من كهرباء ومياه ودواء والمسارعة إلى إحياء التفاوض مع صندوق النقد الدولي تمهيدا للاتفاق الذي نجحت الأزمة الراهنة في تذليل الكثير من العقبات التي كانت تقف حجر عثرة امامه، وتحديدا في ما يتصل بتحرير سعر الصرف وتنظيم القطاع العام، لتبقى مسألة الخصخصة محل نقاش مفتوح.
وليس بعيدا فإن هذه الحكومة سوف تنكب على التحضير للانتخابات النيابية المقبلة في العام 2022 والإشراف عليها.